إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقِيلَ يَـٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

{ وَقِيلَ يا أرض ابلعي } أي انشَفي ، استُعير له من ازدراد الحيوان ما يأكلُه للدِلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتادِ التدريجيّ { مَاءكِ } أي ما على وجهك من ماء الطوفانِ دون المياهِ المعهودةِ فيها من العيون والأنهارِ ، وعبّر عنه فيما سلف بأمر الله تعالى لأن المقامَ مقامُ النقص والتقليلِ لا مقامُ التفخيمِ والتهويلِ { ويا سماء أقلعي } أي أمسِكي عن إرسال المطرِ ، يقال : أقلعت السماءُ إذا انقطع مطرُها وأقلعت الحُمّى أي كفّت { وَغِيضَ الماء } أي نقص ما بين السماءِ والأرضِ من الماء { وَقُضِىَ الأمر } أي أُنجز ما وعد الله تعالى نوحاً من إهلاك قومِه وإنجائِه بأهله أو أُتِمَّ الأمر { واستوت } أي استقرّت الفلكُ { عَلَى الجودي } هو جبلٌ بالمَوْصِل أو بالشام أو بآمل{[412]} . روي أنه عليه الصلاة والسلام ركب في الفلك في عاشر رجبٍ ونزل عنها في عاشر المحرَّم فصام ذلك اليوم شكراً فصار سُنّةً { وَقِيلَ بُعْدًا للْقَوْمِ الظالمين } أي هلاكاً لهم ، والتعرضُ لوصف الظلمِ للإشعار بعليته للهلاك ولتذكيره ما سبق من قوله تعالى : { وَلاَ تخاطبنى في الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مغْرَقُونَ } ولقد بلغت الآيةُ الكريمةُ من مراتب الإعجازِ قاصيتَها وملكت من غُرر المزايا ناصيتَها وقد تصدّى لتفصيلها المتقنون ، ولعمري إن ذلك فوق ما يصفه الواصفون فحريٌّ بنا أن نوجزَ الكلامَ في هذا البابِ ونفوّضَ الأمر إلى تأمل أولي الألباب ، والله عنده علم الكتاب .


[412]:آمل بضم الميم: اسم أكبر مدينة بطبرستان في السهل.