معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

قوله تعالى : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } ، من النفاق أي : علم أن ما في قلوبهم خلاف ما في ألسنتهم .

قوله تعالى : { فأعرض عنهم } ، أي : عن عقوبتهم ، وقيل : فأعرض عنهم ، عن قبول عذرهم .

قوله تعالى : { وعظهم } . باللسان .

قوله تعالى : { وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } . قيل : هو التخويف بالله ، وقيل : أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا . قال الحسن : القول البليغ أن يقول لهم : إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم ، لأنه يبلغ من نفوسكم كل مبلغ . وقال الضحاك : فأعرض عنهم وعظهم في الملأ وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً في السر ، والخلاء ، وقيل : هذا منسوخ بآية القتال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

ثم بين - سبحانه - أنه ليس غافلا عن أعمال أولئك المنافقين ، وأرشد نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وسائل معالجتهم فقال - تعالى - : { أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } .

أى : أولئك الذين نافقوا ، وأخفوا حقيقة نواياهم السيئة ، وتركوا حكم الله إلى حكم الطاغوت . . . { أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من النفاق والميل إلى الكفر ، وإن أظهروا إسلامهم .

وقوله { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } . . . الخ بيان لطرق معالجتهم .

أى : فلا تلتفت إليهم ، وغض الطرف عن مسالكهم الخبيثة ، ولا تقبل عليهم ، لكى يشعروا باستنكارك لأعمالهم .

وقوله { وَعِظْهُمْ } : الوعظ هو التذكير بفعل الخير وترك الشر بأسلوب يرقق القلوب ، ويشتمل على الترغيب والترهيب .

أى : ذكرهم بما فى أعمالهم القبيحة من سوء العاقبة لهم ، وبما فى تركها من خير جزيل يعود عليهم فى دنياهم وآخرتهم ، وأخبرهم بأن تحاكمهم إلى غير شريعة الله سيكون فيه هلاكهم .

وقوله { وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أى قل لهم بعد ذلك قولا يبلغ أعماق نفوسهم لقوته وشدة تأثيره . بأن تورد لهم ما تريد أن تخاطبهم به بطريقة تجعلهم يقبلون على قولك .

وفى هذه الجملة الكريمة ما فيها من التعبير البليغ المؤثر ، حتى لكأنما القول الذى يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم لهم : يودع مباشرة فى الأنفس ، ويستقر رأسا فى القلوب .

وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال : فإن قلت : بم تعلق قوله : { في أَنْفُسِهِمْ } قلت : بقوله { بَلِيغاً } أى : قبل لهم قولا بليغا فى أنفسهم مؤثرا فى قلوبهم يغتمون به اغتماما ، ويستشعرون منه الخوف استشعارا ، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق ، واطلع قرنه ، وأخبرهم أن ما فى نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله ، وانه لا فرق بينكم وبين المشركين . وما هذه المكانة إلا لإِظهاركم الإِيمان وإِسراركم الكفر وإضماره . فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف .

أو يتعلق بقوله { وَقُل لَّهُمْ } . أى : قل لهم فى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا . وإن الله يعلم ما فى قلوبكم . لا يخفى عليه . فلا يغنى عنكم إبطانه .

فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق . وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه ، وشرا من ذلك وأغلظ ، أو قل لهم فى أنفسهم خاليا بهم ، ليس معهم غيرهم . قولا بليغاً يبلغ منهم ، ويؤثر فيهم .

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد أرشدت النبى صلى الله عليه وسلم إلى استعمال ثلاثة طرق لصرف المنافقين عن أفعالهم القبيحة .

وهذه الطرق هى الإِعراض عنهم ، ووعظم بما يرغبهم فى الخير ويرهبهم من الشر ، ومخاطبتهم بالقول البليغ المؤثر الذى يحرك نفوسهم تحريكا قويا ، ويجعلهم يقبلون وهذه الطرق هى أسمى ألوان الدعوة إلى الله . وأنجع الأساليب فى جلب الناس إلى ما يأخذ بيدهم إلى الخير والفلاح .