فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ( 63 ) }

وقال ابن كسيان : معناه ما أردنا إلا عدلا وحقا مثل قوله { وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } فكذبهم الله بقوله { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } من النفاق والعداوة للحق ، وكذبهم في عذرهم ، قال الزجاج : معناه قد علم الله أنهم منافقون { فأعرض عنهم } أي عن عقابهم بالصفح ، وقيل عن قبول اعتذارهم ، وقيل أعرض عنهم في الملا ، وقل لهم في الخلا ، لأنه في السر أنجع ، وقيل هذا الإعراض منسوخ بآية القتال .

{ وعظهم } أي خوفهم من النفاق والكفر والكذب والكيد وعذاب الآخرة باللسان { وقل لهم في أنفسهم } أي في حق أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المنطوية على الشرور التي يعلمها الله ، وقيل معناه قل لهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم { قولا بليغا } أي بالغا في وعظهم ومؤثرا فيهم ، واصلا إلى كنهه المراد مطابقا لما سيق له من المقصود ، وذلك بأن يوعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم ، والإيذان بأن ما في قلوبهم من مكنونات الشر والنفاق غير خاف على الله تعالى ، وأن ذلك مستوجب لأشد العقوبات .

والبلاغة إيصال المعنى إلى الفهم في أحسن صورة من اللفظ ، وقيل حسن العبارة مع صحة المعنى ، وقيل سرعة الإيجاز مع الإفهام وحسن التصرف من غير إضجار ، وقيل ما قل لفظه وكثر معناه ، وقيل ما طابق لفظه معناه ولم يكن لفظه إلى السمع أسبق من معناه على القلب .

وقيل المراد بالقول البليغ ما كان مشتملا على الترغيب والترهيب والإعذار والإنذار والوعد والوعيد ، وإن كان كذلك عظم وقعه في القلوب وأثر في النفوس .