معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (158)

قوله تعالى : { هل ينظرون } ، أي : هل ينتظرون بعد تكذيبهم الرسل وإنكارهم القرآن . قوله تعالى : { إلا أن تأتيهم الملائكة } ، لقبض أرواحهم ، وقيل : بالعذاب ، قرأ حمزة والكسائي ، يأتيهم ، بالياء هاهنا وفي النحل ، والباقون بالتاء .

قوله تعالى : { أو يأتي ربك } ، بلا كيف ، لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة .

قوله تعالى : { أو يأتي بعض آيات ربك } ، يعني طلوع الشمس من مغربها ، عليه أكثر المفسرين ، ورواه أبو سعيد الخدري مرفوعا .

قوله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } . أي : لا ينفعهم الإيمان عند ظهور الآية التي تضطرهم إلى الإيمان .

قوله تعالى : { أو كسبت في إيمانها خيراً } ، يريد : لا يقبل إيمان كافر ولا توبة فاسق . قوله تعالى : { قل انتظروا } ، يا أهل مكة .

قوله تعالى : { إنا منتظرون } ، بكم العذاب .

أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، ثنا أحمد بن يوسف السلمي ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن همام بن منبه ، ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبيدة ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يدا الله يبسطان لمسيء الليل ليتوب بالنهار ، ولمسيء النهار ليتوب بالليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها ) .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، ثنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الزياتي ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا النضر بن شميل ، أنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ) . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أنا أبو جعفر الزياتي ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا أحمد بن عبد الله ، أنا حماد بن زيد ، أنا عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش قال : أتيت صفوان بن عسال المرادي فذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل جعل بالمغرب باباً مسيرة عرضه سبعون عاماً للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله ) . وذلك قول الله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } .

وروى أبو حازم ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ) .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (158)

ثم يمضى القرآن فى تهديدهم خطوة أخرى . رداً على ما كانوا يطلبون من الآيات الخارقة ، وتحذيراً من إعراضهم وتقاعسهم عن طريق الحق مع أن الزمن لا يتوقف ، والفرص لا تعود فيقول : { هَلْ يَنظُرُونَ . . . . }

أى : ما ينتظر مشركو مكة وغيرهم من المكذبين بعد إعراضهم عن آيات الله إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم من أجسادهم .

والجملة الكريمة مستأنفة لبيان أنهم لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى .

قال البيضاوى : وهم ما كانوا منتظرين لذلك ، ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين .

وقوله : { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } أى : إتياناً يناسب ذاته الكريمة بدون كيف أو تشبيه للقضاء بين الخلق يوم القيامة ، وقيل المراد بإتيان الرب ، إتيان ما وعد به من النصر للمؤمنين والعذاب للكافرين .

وقوله : { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } أى : بعض علامات قيام الساعة ، وذلك قبل يوم القيامة ، وفسر فى الحديث بطلوع الشمس من مغربها .

فقد روى البخارى عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها . فإذا رآها الناس آمن من عليها . فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل " .

وفى رواية لمسلم والترمذى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض " .

ثم بين - سبحانه - أنه عند مجىء علامات الساعة لا ينفع الإيمان فقال :

{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْراً } .

أى : عند مجىء بعض أشراط الساعة ، يذهب التكليف ، فلا ينفع الإيمان حينئذ نفساً كافرة لم تكن آمنت قبل ظهورها ، ولا ينفع العمل الصالح نفساً مؤمنة تعمله عند ظهور هذه الأشراط ، لأن العمل أو الإيمان عند ظهور هذه العلامات لا قيمة له لبطلان التطليف فى هذا الوقت .

قال الطبرى : معنى الآية لا ينفع كافراً لم يكن آمن قبل الطلوع - أى طلوع الشمس من مغربها - إيمان بعد الطلوع . ولا ينفع مؤمناً لم يكن عمل صالحاً قبل الطلوع ، بعد الطلوع . لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ . حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة ، وذلك لا يفيد شيئاً . كما قال - تعالى - { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } وكما ثبت فى الحديث الصحيح : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .

وقال ابن كثير : إذا أنشأ الكافر إيماناً يومئذ لم يقبل منه ، فأما من كان مؤمناً قبل ذلك فإن كان مصلحاً فى عمله فهو بخير عظيم ، وإن لم يكن مصلحاً فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته ، كما دلت عليه الأحاديث ، وعليه يحمل قوله - تعالى - : { أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْراً } أى : لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك " .

وقوله : { قُلِ انتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ } تهديد لهم . أى : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين : انتظروا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور ألثلاثة لتروا أى شىء تنتظرون ، فإنا منتظرون معكم لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة .