تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (158)

الآية 158 وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا } كذا{[7968]} قال أهل التأويل : ما ينظرون ، [ وحرف هل : هو حرف استفهام وتعجب ، لكن أهل التأويل قالوا : ما ينظرون ]{[7969]} حملوا على الجواب ؛ لأنه لم يخرج له جواب . فجوابه ما قالوا : { ما ينظرون } كما في قوله تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } أي ا أحد أظلم ممن كذب ، هو جواب ؛ لأن جوابه لم يخرج . فجوابه ما قالوا : لا أحد أظلم ؛ لأنه سؤال واستفهام ، فجوابه ما ذكروا . فعلى ذلك قوله تعالى : { هل ينظرون } هو استفهام ، ولم يخرج له الجواب ، فجوابه : لا ينظرون كقوله تعالى : { ما ينظرون إلا صيحة واحدة } [ يس : 49 ] .

ثم قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك } هذا ، والله أعلم ، يشبه أن تكون الآية في المعاندين منهم والمتمردين الذين همتهم العناد والتعنت ؛ خرج على إياس رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمانهم مشفقا على أنفسهم حتى كادت نفسه تهب حسرات عليهم حرصا على إيمانهم وإشفاقا على أنفسهم كقوله تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] وكقوله تعالى : { فلعلك باخع نفسك } الآية [ الكهف : 6 ، والشعراء : 2 ] ونحوهما{[7970]} .

فآيسه الله تعالى من إيمان أولئك الكفرة لئلا يطمع في إيمانهم وإسلامهم بعد ذلك ، ولا تذهب نفسه حسرات عليهم ، وليتخذهم{[7971]} أعداء ، ويبغضهم ، ويخرج الشفقة التي في قلبه لهم ، وليتأهب لعداوتهم ، ويتبرأ منهم كما فعل إبراهيم : { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } [ التوبة : 114 ] وكما قال لنوح { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } [ هود : 36 ] آيسه الله من إيمان قومه إلا من قد آمن ، ونهاه أن يحزن عليهم ، وعلى فوت إيمانهم . فعلى ذلك هذا آيس رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ، ونهاه أن يحزن عليهم كقوله تعالى : { ولا تحزن عليهم } إلا للوقت الذي ذكر أنهم يؤمنون في ذلك الوقت ، وهو{[7972]} وقت نزول الملائكة وإيتائهم بآياته{[7973]} ، وهو قوله تعالى : { إلا أن تأتيهم الملائكة } .

ثم قال بعضهم : { تأتيهم الملائكة } بقبض الأرواح مع اللعن والسخط . فعند ذلك يؤمنون بالله . وقال بعضهم : قوله تعالى : { إلا أن تأتيهم الملائكة } يوم القيامة ، وهو كقوله تعالى : { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا } [ الفرقان : 2 ] .

وقوله تعالى : { أو يأتي ربك } على الأمر ؛ كأنه قال : أو يأتي أمر ربك على ما ذكر في سورة النحل { أو يأتي أمر ربك } [ الآية : 33 ] . ثم الأمر ، فيه عذاب الله كقوله تعالى : { ولما جاء أمرنا } [ هود : 58و . . . ] يعني عذابنا ، فعلى ذلك في هذا أمر الله عذاب الله .

والأصل في ما أضيف إلى الله في موضع الوعيد ، لا يراد به الذات ، ولكن يراد به نقمته وعذابه وعقوبته كقوله تعالى : { ويحذركم الله نفسه ؛ [ آل عمران : 28 و30 ] ، لا يريد به [ ذاته ]{[7974]} ، ولكن يريد نقمته وعذابه كقوله تعالى : { من كان يرجوا لقاء الله } [ العنكبوت : 5 ] لا يريد لقاء ذاته ، وكذلك قوله تعالى : { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28و . . ] وقوله تعالى{[7975]} : { وإلى الله ترجع الأمور } [ البقرة : 210 و . . . ] وغيرها من الآيات لا يراد به ذاته ، ولكن يراد به عذابه ونقمته . أو نقول : إن كل شيء ، يراد به تعظيمه ، يضاف إلى الله تعالى ، فيراد [ بإضافة اليوم إلى الله تعالى ]{[7976]} تعظيم ذلك اليوم أو تعظيم عذابه ونقمته .

وقوله تعالى : { أو يأتي بعض آيات ربك } تحتمل بعض آياته ما قال عز وجل : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } [ غافر : 84 ] وكقوله تعالى : { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم } الآية [ الأحقاف : 24 ] وكقوله تعالى : { سأل سائل بعذاب واقع } [ المعارج : 1 ] ونحوها{[7977]} من الآيات ؛ يؤمنون عند معاينتهم العذاب ، ولا ينفعهم الإيمان .

ويحتمل ما قال أهل التأويل : طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال وخروج الدابة . وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ]{[7978]} قال : ( ثلاث إذا خرجن { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } ) [ مسلم : 158 ] .

وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان ودابة الأرض وخويصة أحدكم وأمر العامة ) [ مسلم 2947/129 ] وخويصة /166-ب/ أحدكم : الموت ، وأمر العامة : الساعة إذا قامت .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه [ انه ]{[7979]} قال : التوبة معروضة حتى تطلع الشمس من مغربها . ثم قال : مهما يأت عليكم عام ، فالآخر شر . ونحوه من الأخبار . فإن ثبتت فهي المعتمدة .

وعن عائشة رضي الله عنها [ أنها ]{[7980]} قالت : إذا خرج أول الآيات طرحت الأقلام ، وحبست الحفظة{[7981]} وشهدت الأجساد على الأعمال .

وقوله تعالى : { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } أخبر أن الإيمان ، لا ينفع في ذلك الوقت [ لوجوه :

أحدها : أنه ]{[7982]} ليس بإيمان اختيار في الحقيقة ، إنما إيمان دفع العذاب والبأس عن أنفسهم كقوله تعالى : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } [ غافر : 84 ] وقوله تعالى : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } [ الأنعام : 28 ] أخبر أنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى تكذيبهم الرسل وكفرهم بالله . فدل أن إيمانهم في ذلك الوقت إيمان دفع العذاب والبأس وإيمان خوف ، وهو كإيمان فرعون حين{[7983]} { أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } [ يونس : 90 ] لم ينفعه إيمانه في ذلك [ الوقت ]{[7984]} لأنه إيمان دفع الهلاك عن نفسه لا إيمان حقيقة باختيار .

والثاني : أنه في ذلك الوقت وقت نزول العذاب لا يقدر أن يستدل بالشاهد على الغائب ليكون [ قول المرء ]{[7985]} قولا عن معرفة وعلم ، وإنما هو قول يقوله بلسانه لا عن معرفة في قلبه في ذلك الوقت لما ذكرنا ، وهو قوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } [ النساء : 18 ] لأنه إيمان دفع البأس والعذاب .

[ والثالث أنه ]{[7986]} : يبالغ بالاجتهاد حتى يكون إيمانه إيمانا باجتهاد ؛ لذلك كان ما ذكرنا .

والرابع{[7987]} : أن يكون في طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ودابة الأرض وما ذكر من البلاء والشدة والعذاب ما يضطرهم إلى الإيمان به ، فيكون إيمانهم إيمان اضطرار ولا اختيار .

ويشبه أن تكون [ الأحاديث ]{[7988]} التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقبل التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها وبعد خروج الدال ودابة الأرض ؛ أي لا يثابون على طاعاتهم ، وإلا فمن البعيد أن يدعو إلى الإيمان والطاعات . ثم إذا أتوا بها لم تقبل منهم ، لكنه يحتمل ما ذكرنا ألا يثابوا{[7989]} على ذلك ، ويعاقبوا{[7990]} بما كان منهم من الكفر وكفران النعم ؛ لأن جهة الثواب إفضال وإحسان ، وفي الحكمة شرك{[7991]} الإفضال بالثواب في الطاعات ، إذا كان من الله عز وجل من النعم ما يكون ذلك شكرا له ، والعقاب على الكفر مما توجبه الحكمة . لذلك كان ما ذكرنا .

ولهذا يخرج قول أبي حنيفة رضي الله عنه حين قال : لا ثواب للجن على طاعاتهم لأن طريق وجوبه الإفضال ، ولم يذكر [ لهم ]{[7992]} ذلكن ويعاقبون بما كان منهم من الكفران والأجرام ما ذكرنا من المعنى الذي وصفنا ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { لا ينفع نفسا إيمانها } عند معاينة العذاب والبأس والآيات إذا { لم تكن آمنت من قبل } .

وقوله تعالى : { أو كسبت في إيمانها خيرا } أي لا ينفع ذا إلا بذا ؛ إذا عملت خيرا ، ولم تكن آمنت ، لا ينفعها{[7993]} ذلك ، [ ولن نفعها إيمانها ]{[7994]} عند معاينة العذاب والآيات إذا لم تكن كسبت قبل ذلك خيرا .

وقيل : قوله تعالى : { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } أي لا ينفع نفسا إيمانها إذا لم تعزم ألا ترتد ، ولا ترجع عنه أبدا . وقيل : { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } أي لا ينفع إيمانها { أو كسبت في } تصديقها التعظيم لله والإجلال . فعند ذلك ينتفع صاحبه ، لأنه لا كل تصديق يكون فيه التعظيم لله والإجلال ، إذا لم يكن فيه التعظيم له . وقيل : { أو كسبت في إيمانها خيرا } أي لم تكن عملت في تصديقها خيرا قبل معاينة الآيات .

وقوله تعالى : { انتظروا إنا منتظرون } هو يخرج على الوعيد ؛ أي انتظروا إحدى هذه الثلاث التي ذكرنا فإنا منتظرون . وهو كقوله : { قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } [ الطور : 31 ] أي انتظروا العذاب فإنا منتظرون بكم ذلك .


[7968]:- من م، في الأصل: كذابا.
[7969]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7970]:- في الأصل وم: وحوه.
[7971]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[7972]:- أدرج في الأصل قبلها: الذي.
[7973]:- في الأصل وم: بآياتهم.
[7974]:- ساقطة من الأصل وم.
[7975]:- ساقطة من الأصل وم.
[7976]:- في الأصل وم: به.
[7977]:- في الأصل وم: ونحوه.
[7978]:- ساقطة من الأصل وم.
[7979]:- ساقطة من الأصل وم.
[7980]:- ساقطة من الأصل وم.
[7981]:- في الأصل وم: الخطبة.
[7982]:- في الأصل وم: لأنه.
[7983]:- في الأصل وم: حيث.
[7984]:- ساقطة من الأصل وم.
[7985]:- في الأصل وم: قوله.
[7986]:- في الأصل وم: أو.
[7987]:- في الأصل وم: أو.
[7988]:- ساقطة من الأصل وم.
[7989]:- في الأصل وم: يثابون.
[7990]:- في الأصل وم: ويعاقبون.
[7991]:- في الأصل وم: ترك.
[7992]:- ساقطة من الأصل وم.
[7993]:- في الأصل وم: لا ينفعه.
[7994]:- في الأصل وم: لم ينفعه ذلك.