جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (158)

{ هل ينظرون } : أهل مكة أي : ما ينتظرون ، { إلا أن تأتيهم الملائكة } : لقبض أرواحهم ، وهم إن كانوا غير منتظرين لذلك لكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بهم ، { أو يأتي{[1560]} ربك } : المراد يوم القيامة ، { أو يأتي بعض آيات ربك } : كطلوع الشمس من المغرب ، { يوم يأتي بعض آيات ربك } : التي تضطرهم إلى الإيمان ، { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } صفة نفسا ، { أو كسبت في إيمانها خيرا } : عطف على آمنت أي : لا ينفع الكافر إيمانه في ذلك الحيز ولا الفاسق الذي ما كسب خيرا في إيمانه توبته ، فحاصله أنه من باب اللف التقديري أي : لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها في الإيمان إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فيه أي : لا ينفعهم تلهفهم على ترك الإيمان بالكتاب ، ولا على ترك العمل{[1561]} بما فيه ، { قل انتظروا } : إتيان أحد هذه الثلاث ، { إنا منتظرون } : له ، وعيد شديد .


[1560]:وزاد المصنف في الوجيز لفصل القضاء بين خلقه وإتيانه تعالى نؤمن به ولا نعرف كيفه انتهى. أقول كيف لا يؤمن بإتيانه ومجيئه تعالى يوم القيامة، وقد جاء في القرآن في عدة مواضع (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) (البقرة: 209)، (وجاء ربك والملك صفا صفا) (الفجر: 22)، (إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) (النحل: 33)، وأي أمر أصرح منه في القرآن، وروى الطبري في تفسيره على ما نقله عنه الخازن بسند متصل عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من الغمام طاقات يأتي الله عز وجل فيه محفوفا) وذلك قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر) (البقرة: 21)، قال عكرمة: والملائكة حوله انتهى، فهذا من صفات الله تعالى يجب علينا الإيمان بظاهرها ونؤمن بها كما جاءت وإن لم نعرف كيفيتها، وعدم علمنا بكيفيتها بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته فلا نكذب بما علمناه بما لم نعلمه وهذا هو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة وأنشد بعضهم في المعنى: عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ولا ذاته شيء عقيدة صائب نسلم آيات الصفات بأسرها وأخبارها للظاهر المتقارب ونركب للتسليم سفنا فإنها لتسليم دين المرء خير المراكب
[1561]:وعلى ما قررنا لا يتم استدلال المعتزلة بالآية على أن مجرد الإيمان بدون يكون فيه كسب خير ليس بنافع، ويوافق على ما قلنا الآيات والأحاديث الشاهدة بأن مجرد الإيمان ينفع ويورث النجاة من النار، ولو بعد حين ويلائم مقصود الآية/حيث وردت تحسرا لمن أخلف ما وعد من الرسوخ في الهداية عند إنزال الكتب حيث كذبوا به وصدفوا عنه/12 منه.