الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (158)

قوله سبحانه : { هَلْ يَنظُرُونَ }[ الأنعام :158 ] .

أي : ينتظرُونَ ، يعني : العربَ المتقدِّمَ الآن ذكرهُم ، و{ الملائكة } هنا : هم ملائكة المَوْت الذين يصحبون عزرائيل المخْصُوصَ بقَبْض الأرواح ، قاله مجاهد وقتادة وابنُ جْرَيْج .

وقوله تعالى : { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } ، قال الطبريُّ : لموقف الحساب يَوْمَ القيامة ، وأسند ذلك إلى قتادة وجماعةٍ من المتأوِّلين ، وقال الزَّجَّاج : إن المراد : ( أو يأتي عذاب ربك ) .

قال ( ع ) : وعلى كلِّ تأويل فإنما هو بحذفِ مضافٍ ، تقديره : أمر ربك ، أو بَطْش رَبِّك ، أو حسابُ ربك ، وإلا فالإتيانُ المفهومُ من اللغة مستحيلٌ على اللَّه تعالى ، ألا ترى أن اللَّه عزَّ وجلَّ يقول : { فأتاهم الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } [ الحشر : 2 ] ، فهذا إتيان قد وقع ، وهو على المجازِ ، وحذفِ المضافِ .

قال الفَخْر : والجواب المعتمَدُ عليه هنا أنَّ هذا حكايةُ مذهب الكفَّار ، واعتقادِهِم ، فلا يفتقر إلى تأويله ، وأجمعوا على أن المراد بهذه الآيات علاماتُ القيامةِ ، انتهى .

قلتُ : وما ذكره الفَخْر من أن هذا حكايةُ مذهب الكفار هي دعوى تفتقر إلى دليلٍ .

وقوله سبحانه : { أَو يَأْتِيَ بَعْضُ ءايات رَبِّكَ } ، قال مجاهد وغيره هي إشارة إلى طلوعِ الشمْسِ من مغربها ، بدليلِ الَّتي بعدها .

قال ( ع ) : ويصحُّ أن يريد سبحانه بقوله : { أَو يَأْتِيَ بَعْضُ ءايات رَبِّكَ } جميعَ ما يُقْطَعُ بوقوعه من أشراط الساعة ، ثم خصَّص سبحانه بعد ذلك بقوله : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءايات رَبِّكَ } الآيةَ التي ترتفع التوبةُ معها ، وقد بيَّنت الأحاديثُ الصِّحاح في البخاريِّ ومسلمٍ ، أنها طلوع الشمس مِنْ مغربها ، ومقْصِدُ الآية تهديدُ الكفَّار بأحوالٍ لا يخلُونَ منها ، وقوله : { أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمانها خَيْراً } ، يريد : جميعَ أعمال البرِّ ، وهذا الفَصْل هو للعُصَاة من المؤمنين ، كما أن قوله : { لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } هو للكافرين ، فالآية المشارُ إليها تقْطَعُ توبة الصِّنْفَيْنِ ، قال الداوديُّ : قوله تعالى : { أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمانها خَيْراً } ، يريد أن النفس المؤمنة التي ارتكبت الكبائر لا تُقْبَلُ منها التوبة يومئذ ، وتكونُ في مشيئة اللَّه تعالى ، كأن لم تَتُبْ ، وعن عائشة ( رضي اللَّه عنها ) : إذا خرجَتْ أول الآيات ، طُرِحَتِ الأقلامُ ، وحُبِسَتِ الحَفَظَةُ ، وشَهِدَتِ الأجساد على الأعمال . انتهى .

وقوله سبحانه : { قُلِ انتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ } : لفظٌ يتضمَّن الوعيد .