{ هَلْ يَنظُرُونَ } معناه ، أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا فماذا ينتظرون ؟ فهل ينتظرون { إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة } لقبض أرواحهم { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } يعني : يأتي أمر ربك بما وعد لهم كقوله : { هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن ديارهم لاًّوَّلِ الحشر مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله فأتاهم الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار } [ الحشر : ] ويقال : أن تأتي عقوبة ربك وعذابه . وقد ذكر المضاف إليه ويراد به المضاف . كقوله تعالى : { واسأل القرية التي كُنَّا فِيهَا والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لصادقون } [ يوسف : 82 ] يعني : أهل القرية . وكقوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور خُذُواْ مَا أتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واسمعوا قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إيمانكم إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 93 ] يعني : حب العجل . كذلك هاهنا يأتي أمر ربك يعني : عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله { أو يأتي بعض آيات ربك } يعني : طلوع الشمس من مغربها { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيات رَبّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } حين طلعت الشمس من مغربها { لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ } يعني : أن الكافر إذا آمن في ذلك الوقت لا يقبل إيمانه ، لأنها قد ارتفعت المحنة حين عاينوها . وإنما الإيمان بالغيب .
ثم قال : { أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمانها خَيْرًا } يعني : المسلم الذي يعمل في إيمانه خيراً كأن لم يقبل عمله قبل ذلك ، فإنه لا يقبل منه بعد ذلك . ومن كان قبل من قبل ذلك فإنه يقبل منه بعد ذلك أيضاً أو كانت النفس مؤمنة ولم تكن كسبت خيراً قبل ذلك الوقت لا ينفعها الخير بعد . قال الفقيه : حدثنا الخليل بن أحمد بإسناده عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال المرادي قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ جاء أعرابي فسأله عن أشياء حتى ذكر التوبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لِلتَّوْبَةِ بَابٌ فِي المَغْرِبِ مَسِيرَة سَبْعِينَ عَاماً أَوْ أَرْبَعِينَ عَاماً فلا يَزَالُ حَتَّى يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ »
قال الفقيه : حدثنا الخليل بن أحمد قال : حدثنا السراج . قال : حدثنا زياد بن أيوب عن يزيد بن هارون عن سفيان بن الحسين عن الحكم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة فنظر إلى الشمس حين غابت فقال : « يا أبَا ذَرَ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَغِيبُ هذه »
؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : « فإنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنِ حَمِئَةٍ فَتَنْطَلِقُ حَتَّى تَخُرَّ لِرَبِّها سَاجِدَةً تَحْتَ العَرْشِ ، فإذَا دَنَا خُرُوجُهَا أُذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ . فَإِنْ أَرَادَ الله أنْ يُطْلِعَها مِنْ مَغْرِبِهَا حَبَسَها . فَتَقُولُ : يا رَبِّ إنّ مَسِيري بَعِيدٌ . فَيَقُولُ الله تعالى اطْلَعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيات رَبّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } » وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال : لا يقبل الله من كافر عملاً ولا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيراً يومئذ . فإنّه لو أسلم بعد ذلك قُبِلَ ذلك منه ، ومتى كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قبلت منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم يقبل وقت الطلوع حتى تكون صيحة فيهلك كثير من الناس . فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم يقبل منه ومن تاب بعد ذلك قبلت منه .
ثم قال : { قُلِ انتظروا إِنَّا } يعني : انتظروا العذاب فإنا منتظرون بكم حتى ننظر أينا أسعد حالاً . قرأ حمزة والكسائي { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الملائكة } بالياء بلفظ التذكير ، والباقون { إِلا أَن تَأْتِيهُمُ } بلفظ التأنيث لأن الفعل مقدم فيجوز أن يذكر ويؤنث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.