معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

قوله تعالى : { ولو كره الكافرون } هو الذي أرسل رسوله " ، يعني : الذي يأبى إلا إتمام دينه هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، " بالهدى " ، قيل : بالقرآن . وقيل : ببيان الفرائض ، " ودين الحق " ، وهو الإسلام ، " ليظهره " ، ليعليه وينصره " على الدين كله " ، إلى سائر الأديان ، " ولو كره المشركون " . واختلفوا في معنى هذه الآية : فقال ابن عباس : الهاء عائدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : ليعلمه شرائع الدين كلها فيظهره عليها حتى لا يخفى عليه منها شيء . وقال الآخرون : الهاء راجعة إلى دين الحق ، وظهوره على الأديان هو أن لا بد أن الله تعالى إلا به . وقال أبو هريرة والضحاك : وذلك عند نزول عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلا دخل في قال الإسلام . وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى عليه السلام قال : " ويهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام " .

وروى المقداد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام إما بعز عزيز أو ذل ذليل " ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهله ، فيعز به ، أو يذلهم فيدينون له . قلت : فيكون الدين كله لله .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ، ثنا أبو جعفر محمد سليمان بن منصور ، ثنا أبو مسلم بن إبراهيم بن عبد الله الكجي ، ثنا أبو عاصم النبيل ، ثنا عبد الحميد ، هو ابن جعفر ، عن الأسود بن العلاء ، عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ، قالت : قلت يا رسول الله ما كنت أظن أن يكون ذلك بعدما أنزل الله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } . ثم قال : يكون ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله تعالى ريحاً طيبة ، فتقبض من كان في قلبه مثقال ذرة من خير ، ثم يبقى من لا خير فيه ، فيرجع الناس إلى دين آبائهم " . قال الحسين بن الفضل : معنى الآية ليظهره على الدين كله بالحجج الواضحة . وقيل : ليظهره على الأديان التي حول النبي صلى الله عليه وسلم فيغلبهم . قال الشافعي رحمه الله : فقد أظهر الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان كلها بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق ، وما خالفه من الأديان باطل ، وقال : وأظهره بأن جماع الشرك دينان : دين أهل الكتاب ، ودين أميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ، وقتل أهل الكتاب وسبى ، حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعضهم الجزية صاغرين ، وجرى عليهم حكمه ، فهذا ظهوره على الدين كله ، والله أعلم .