محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

33 { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون }

{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى } أي القرآن الذي هو هدى للمتقين { ودين الحق } أي التوحيد الثابت الذي لا يزول { ليظهره } أي الدين الحق { على الدين كله } أي على سائر الأديان { ولو كره المشركون } أي أن يكون ذلك .

وجواب ( لو ) فيهما محذوف لدلالة ما قبله عليه ، وجملة { هو الذي } الخ بيان وتقرير لمضمون الجملة قبلها ، لأن المراد من إتمام نوره إظهاره ، ولكونه بحسب المآل بمعناه ، ذيله بما ذيله به بعينه ، لكنه عبر عن الكافرين بالمشركين تفاديا عن صورة التكرار- كذا في ( العناية ) .

وفي ( الصحيح ){[4523]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إن الله زوى لي الأرض ، مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " .

وروى الإمام أحمد{[4524]} عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول : " صلى هذا الحي من محارب الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " .

/ وأخرج أيضا{[4525]} عن تميم الداري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ، ولا وبر إلا أدخله هذا الدين ، يعز عزيزا ، ويذل ذليلا ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر .

وكان تميم الداري يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية " .

وأخرج أيضا{[4526]} عن المقداد بن الأسود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام ، يعز عزيزا ويذل ذليلا ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، وإما يذلهم فيدينون لها "

وأخرج أيضا{[4527]} عن عدي بن حاتم قال : " دخلت على رسول اله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا عدي أسلم تسلم ، فقلت : إني من أهل دين ، قال : أنا أعلم بدينك منك ، فقلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : نعم ألست من الركوسية{[4528]} وأنت تأكل مرباع{[4529]} قومك ؟ قلت : بلى قال : فإن هذا لا يحل لك في دينك ، قال : فلم يعد أن قالها ، فتواضعت لها ، قال : أما إني أعلم ما الذي يمنعك عن الإسلام ، تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ، ومن لا قوة له ، وقد رمتهم العرب ، أتعرف الحيرة ؟ قلت : لم أرها ، وقد سمعت بها ، قال : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر ، حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز ، قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : نعم ، كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد .

قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد قالها " .

وروى{[4530]} مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ، فقلت : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله عز وجل : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } الآية- إن ذلك تام ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله عز وجل ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم " .

قال في ( اللباب ) معنى الآية ليظهرن دين الإسلام على الأديان كلها ، وهو ألا يعبد الله إلا به وكذا روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " هذا وعد من الله تعالى بأنه يجعل الإسلام عاليا على جميع الأديان ، وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى " ، وكذلك قال الضحاك والسدي : لا يبقى أحد إلا ودخل في الإسلام ، وقال الشافعي : قد أظهر الله دين رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان كلها ، بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق ، وما خالفه من الأديان باطل ، وأظهره على الشرك دين أهل الكتاب ، ودين الأميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ، وقتل أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعضهم الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه . قال : فهذا هو ظهوره على الدين كله . انتهى .

/ قلت : ما ذكره الشافعي هو من ظهوره ، والأدق ما تقدم ، من أنه سوف يعتنقه كل فرقة فإن ما تذهب إليه طوائف الإصلاح من الملل الأخرى لا يبعد الآن عن الإسلام إلا قليلا .


[4523]:أخرجه مسلم في : 52 كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث رقم 19 (طبعتنا) عن ثوبان وأخرجه أبو داود في : 34- كتاب الفتن والملاحم، 1- باب ذكر الفتن ودلائلها، حديث 4252. والإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 278 من الجزء الخامس (طبعة الحلبي).
[4524]:أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 366 من الجزء الخامس (طبعة الحلبي).
[4525]:أخرجه في المسند بالصفحة 103 من الجزء الرابع (طبعة الحلبي).
[4526]:أخرجه في المسند بالصفحة رقم 4 من الجزء السادس (طبعة الحلبي).
[4527]:أخرجه في المسند بالصفحة رقم 257 من الجزء الرابع (طبعة الحلبي).
[4528]:الركوسية بالفتح قوم لهم دين بين النصارى والصابئين، وروي عن ابن الأعرابي أنه قال : هذا من نعت النصارى ولا يعرب، ا هـ قاموس وشرحه.
[4529]:المرباع : الربع، كالمعشار بمعنى العشر، ولم يسمع في غيرهما وكان القوم يغزون بعضهم في الجاهلية فيغنمون، فيأخذ الرئيس ربع الغنيمة دون أصحابه خالصا، وذلك الربع يسمى المرباع، ا هـ قاموس وشرحه.
[4530]:أخرجه مسلم في صحيحه في : 52- كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث رقم 72 (طبعتنا).