تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

33 – { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .

هو الذي بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى أي : ما يهدي به الناس من البراهين والمعجزات والأحكام التي شرعها الله لعباده . ودين الحق وهو الإسلام الذي هو الاعتقاد الحق ، والتوحيد الخالص ، الخالي عن صرف العبادة لأي مخلوق مهما كان عظيما ؛ ليعلى شأن هذا الدين على جميع الأديان كلها ، ولو كره المشركون ذلك الإظهار .

وقد تحقق وعد الله ونصره لهذا الدين بالغلبة والقهر لغيره ، وبإظهار الحجة والبرهان على عدالة الإسلام وسلامة نظامه .

وقد ساق الإمام ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة ؛ التي بشرت الأمة الإسلامية بظهور الإسلام وانتصاره ، ونقلها الدكتور وهبة الزحيلي في التفسير المنير ، والدكتور محمد سيد طنطاوي في تفسير سورة التوبة . اه .

وهذه طائفة من هذه الأحاديث الشريفة :

1 – ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " 60 .

2 – وروى الإمام أحمد : عن المقداد بن الأسود يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام ، يعز عزيرا ، ويذل ذليلا ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، " وإما يذلهم فيدينون لها " 61 .

وروى هذا الحديث أيضا عن تميم الداري ، " وكان تميم الداري إذا روى هذا الحديث يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الشرف والخير والعز ، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية .

2 – وفي مسند أحمد أيضا عن عدي بن حاتم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الدين حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز ، قلت كسرى بن هرمز ؟ ! قال : نعم كسرى بن هرمز ، ويبذلن المال حتى لا يقبله أحد " .

قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده لتكونن في الثالثة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها62 .

وفي ختام هذه الآيات نجد أن الحق سبحانه قد نعى على أهل الكتاب اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وأرشده سبحانه إلى الطريق الصحيح ، وعبادة الإله الواحد ، وبشر المؤمنين بظهور دينهم على الأديان كلها ، " وهذا المعنى الذي نجده في الآيات 31 – 33 من سورة التوبة ، قد ورد أيضا في سورة الصف في قوله سبحانه وتعالى :

{ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين * يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . ( الصف : 7 - 9 ) .

ويؤخذ من هذه الآيات ما يأتي :

1 – عظم اليهود والنصارى ، أحبارهم ورهبانهم ، وأطاعوهم فيما حللوا وحرموا ، فتركوا أوامر الله في التوراة والإنجيل واتبعوا أوامر الأحبار والرهبان ، مع مخالفتها للتوراة والإنجيل ، فكأنهم جعلوهم شركاء لله في الأمر والتكليف والتشريع ، وليس المراد أنهم جعلوهم آلهة وعبدوهم ، بل المراد : طاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، وتركوا أوامر الكتاب .

قال الآلوسي في تفسيره :

والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله ، وسنة رسوله ، لكلام علمائهم ورؤسائهم ، والحق أحق بالاتباع ، فمتى ظهر الحق فعلى المسلم اتباعه ، وإن أخطأه اجتهاد مقلده .

2 – أفادت الآيات قوة الإسلام وجمال شريعته ، المشتملة على الصواب والصلاح ، المطابقة للحكمة والمنفعة في الدنيا والآخرة . وأن الإسلام يعلو على كل الأديان ، فلا دين يصمد أمام النقاش العلمي والعقلي ، غير دين الإسلام ، والتاريخ على ممر الزمان ، يؤكد إنجاز هذه الوعود علانية في اقتناع كبار العلماء في كل اختصاص إنساني أو علمي ، بأحقيته في التدين والاعتقاد ، وإصلاح الحياة البشرية .

وظهر الإسلام على كل الأديان في الماضي ، ثم تأخر الإسلام ، والصواب أن يقال : تأخر أهله أما هو فباق ما بقي الليل والنهار ، وإذا عاد المسلمون إلى العمل به والتزموا بهديه وروحه ؛ عادت لهم السيادة والنصر إن شاء الله .