فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

ثم أكد هذا بقوله : { هو الذي أرسل رسوله } يعني محمدا { بالهدى } أي بما يهدي به الناس من البراهين والمعجزات والأحكام التي شرعها الله لعباده والتوحيد والإسلام والقرآن { ودين الحق } وهو دين الإسلام ، وفائدة ذكره مع دخوله في الهدى قبله بيان شرفه وتعظيمه كقوله والصلاة الوسطى { ليظهره } أي ليظهر رسوله أو دين الحق بما يشتمل عليه من الحجج والبراهين .

{ على الدين كله } أي على سائر الأديان ، وهو أن لا يعبد الله إلا به ، فلا دين بخلاف الإسلام إلا وقد قهرهم المسلمون وظهروا عليهم في بعض المواضع وإن لم يكن كذلك في جميع مواضعهم ، فقهروا اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب ، وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الروم والغرب ، وغلبوا المجوس على ملكهم ، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند وكذلك سائر الأديان .

فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد وقع وحصل ، وكان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا ، وقد ذكرنا فتوح الإسلام في كتابنا حجج الكرامة في آثار القيامة الذي حررناه بعد هذا التفسير ، وقيل ذلك عند نزول عيسى وخروج المهدي فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام ، ويدل له بعض الأحاديث ، فمنها حديث أبي هريرة : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ) {[889]} .

وقال الشافعي : قد أظهر الله دين رسوله على الأديان كلها بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل ، وقيل قهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ، وقتل أهل الأصنام وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعضهم الجزية وجرى عليهم حكمه ، فهذا ظهوره على الدين كله .

وقيل المراد ظهوره على الدين كله في جزيرة العرب وقد حصل ذلك ، فإنه تعالى ما أبقى فيها أحدا من الكفار ، وقيل المراد أن يوقفه على جميع شرائع الدين ويطلعه عليها بالكلية ، وفيه ضعف لأن هذا وعد بأنه تعالى سيفعله والتقوية بالحجة والبرهان كان حاصلا من أول الأمور .

{ ولو كره المشركون } الكلام فيه كالكلام في { ولو كره الكافرون } كما قدمنا ذلك ووصفه بالشرك بعد وصفهم بالكفر للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الكفر بالله تعالى ، وهذا آخر الآيات التي أمر علي بالتأذين بها في موسم الحج .


[889]:- أبو داوود كتاب الملاحم باب 14.