أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته والجملة اعتراض يسهل التكليف عليه بالتهجد ويدل على أنه مشق مضاد للطبع مخالف للنفس أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتجريد للنظر أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار أو ثقيل تلقيه لقوله عائشة رضي الله تعالى عنها رأيته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا وعلى هذا يجوز أن يكون صفة للمصدر والجملة على هذه الأوجه للتعليل مستأنف فإن التهجد يعد للنفس ما به تعالج ثقله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

والقول الثقيل : هو القرآن . واختلف الناس لم سماه { ثقيلاً } ، فقالت جماعة من المفسرين : لما كان يحل في رسول الله من ثقل الجسم حتى أنه كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته بركت به ، وحتى كادت فخذه أن ترض فخذ زيد بن ثابت رحمه الله . وقال أبو العالية والقرطبي : بل سماه { ثقيلاً } لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده ونحو ذلك . وقال حذاق العلماء : معناه ثقيل المعاني من الأمر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الأعمال الصالحة دائمة ، قال الحسن : إن الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل{[11390]} .


[11390]:الهذ: سرعة القراءة ، يقال: هو يهذ القرآن ويهذ الحديث هذا، أي يسرده، قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: قرأت المفصل الليلة، فقال: أهذا كهذ الشعر؟ أراد: أتهذ القرآن هذا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر؟.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا} (5)

تعليل للأَمر بقيام الليل وقع اعتراضاً بين جملة { قم الليل } [ المزمل : 2 ] وجملة { إن ناشئة الليل هي أشد وطْأً } [ المزمل : 6 ] ، وهو جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لحكمة الأمر بقيام الليل بأنها تهيئةُ نفس النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل شدة الوحي ، وفي هذا إيماء إلى أن الله يَسَّر عليه ذلك كما قال تعالى : { إن علينا جمعه وقرآنه } [ القيامة : 17 ] ، فتلك مناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة { قم الليل إلاّ قليلاً } [ المزمل : 2 ] فهذا إشعار بأن نزول هذه الآية كان في أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن فلما قال له : { ورتل القرءان ترتيلا } [ المزمل : 4 ] أعقب ببيان علة الأمر بترتيل القرآن .

والقول الثقيل هو القرآن وإلقاؤه عليه : إبلاغه له بطريق الوحي بواسطة الملَك .

وحقيقة الإِلقاء : رمي الشيء من اليد إلى الأرض وطرحه ، ويقال : شيء لَقى ، أي مطروح ، استعير الإِلقاء للإِبلاغ دفعة على غير ترقب .

والثقل الموصوف به القول ثقل مجازي لا محالة ، مستعار لصعوبة حفظه لاشتماله على معان ليست من معتاد ما يجول في مدارك قومه فيكون حفظ ذلك القول عسيراً على الرسول الأمّي تنوء الطاقة عن تلقّيه .

وأشعر قوله : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } أن ثقله متعلق ابتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم لقوله قبله : { إنا سنلقي عليك } وهو ثقل مجازي في جميع اعتباراته وهو ثقيل صعب تلقيه ممن أنزل عليه . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربَّد له جِلده " ( أي تغير بمثل القشعريرة ) وقالت عائشة : « رأتُهُ ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفَضُّ عرقاً » .

ويستعار ثقل القول لاشتماله على معان وافرة يحتاج العلم بها لدقة النظر وذلك بكمال هديه ووفرة معانيه . قال الفراء : « ثقيلاً ليس بالكلام السفساف » . وحسبك أنه حوى من المعارف والعلوم ما لا يفي العقل بالإِحاطة به فكم غاصت فيه أفهام العلماء من فقهاء ومتكلمين وبلغاء ولغويين وحكماء فشابه الشيء الثقيل في أنه لا يقوى الواحد على الاستقلال بمعانيه .

وتأكيد هذا الخبر بحرف التأكيد للاهتمام به وإشعار الرسول صلى الله عليه وسلم بتأكيد قربه واستمراره ، ليكون وروده أسهل عليه من ورود الأمر المفاجىء .