أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

{ ما يلفظ من قول } ما يرمي به من فيه . { إلا لديه رقيب } ملك يرقب عمله . { عتيد } معد حاضر ، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث " كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

وقوله تعالى : { ما يلفظ من قول } قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : يكتب الملكان الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات ، والسيئات ، ويمحو غير ذلك ، وهذا هو ظاهر الآية ، قال أبو الجوزاء ومجاهد : يكتبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه ، وقال عكرمة : المعنى : { ما يلفظ من قول } خير أو شر ، وأما ما خرج من هذا فإنه لا يكتب والأول أصوب ، وروي أن رجلاً قال لجمله : " حل " {[10529]} ، فقال ملك اليمين لا أكتبها ، وقال ملك الشمال لا أكتبها ، فأوحى الله إلى ملك الشمال أن اكتب ما ترك ملك اليمين ، وروي نحوه عن هشام الحمصي وهذه اللفظة إذا اعتبرت فهي بحسب مشيه ببعيره ، فإن كان في طاعة فحل حسنة ، وإن كان في معصية فهي سيئة والمتوسط بين هذين عسير الوجود ولا بد أن يقترن بكل أحوال المرء قرائن تخلصها للخير أو لخلافه .

وحكى الثعلبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن مقعد الملكين على الثنيتين ، قلمهما اللسان ، ومدادهما الريق »{[10530]} وقال الضحاك والحسن : مقعدهما تحت الشعر ، وكان الحسن يحب أن ينظف غفقته لذلك قال الحسن : حتى إذا مات طويت صحيفته وقيل له يوم القيامة : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً }{[10531]} [ الإسراء : 14 ] عدل والله عليه من جعله حسيب نفسه . والرقيب : المراقب . والعتيد : الحاضر .


[10529]:في اللسان:"يقال للناقة إذا زجرتها: حل جزم، وحل مُنون،…وقال ابن سيدة: ومن خفيف هذا الاسم: حَلْ وحلٍ لإناث الإبل خاصة". فهو صوت لزجر الناقة أو الجمل، وقال الجوهري في الصحاح: حل: زجر للناقة، وحوب: زجر للبعير".
[10530]:ذكره السيوطي في الدر المنثور عن علي رضي الله تعالى عنه موقوفا، قال: أخرج ابن أبي الدنيا في الصمت، عن علي رضي الله عنه، قال:( لسان الإنسان قلم الملك وريقه مداده)، وذكره مرفوعا من رواية أبي نعيم، والديلمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال:"إن الله لطّف الملكين الحافظين حتى أجلسهما على الناجذين، وجعل لسانه قلمهما، وريقه مدادهما". والناجذ: الضرس.
[10531]:من الآية(14) من سورة (الإسراء).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ما يلفظ} ابن آدم {من قول إلا لديه رقيب عتيد} يقول: إلا عنده حافظ قعيد يعني مَلَكَيْه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "يقول تعالى ذكره: ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به، إلا عندما يلفظ به من قول "رقيب عَتيد"، يعني حافظ يحفظه، عتيد: مُعَدّ... عن مجاهد "إذ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ" قال ملك عن يمينه، وآخر عن يساره، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير، وأما الذي عن شماله فيكتب الشرّ.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

أي ما يتكلم بشيء، مأخوذ من لفظ الطعام، وهو إخراجه من الفم. {إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه المتتبع للأمور. الثاني: أنه الحافظ...

الثالث: أنه الشاهد...

وفي {عَتِيدٌ} وجهان: أحدهما: أنه الحاضر الذي لا يغيب. الثاني: أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ما يلفظ} أي يرمي ويخرج المكلف من فيه، وعم في النفي بقوله: {من قول} أي مما تقدم النهي عنه في الحجرات من الغيبة وما قبلها وغير ذلك قل أو جل {إلا لديه} أي الإنسان أو القول على هيئة من القدرة والعظمة هي من أغرب المستغرب {رقيب} من حفظتنا شديد المراعاة له في كل من أحواله {عتيد} أي حاضر مراقب غير غافل بوجه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ونحن لا ندري كيف يسجلان. ولا داعي للتخيلات التي لا تقوم على أساس. فموقفنا بإزاء هذه الغيبيات أن نتلقاها كما هي، ونؤمن بمدلولها دون البحث في كيفيتها، التي لا تفيدنا معرفتها في شيء. فضلا على أنها غير داخلة في حدود تجاربنا ولا معارفنا البشرية.

ولقد عرفنا نحن -في حدود علمنا البشري الظاهر- وسائل للتسجيل لم تكن تخطر لأجدادنا على بال. وهي تسجل الحركة والنبرة كالأشرطة الناطقة وأشرطة السينما وأشرطة التليفزيون. وهذا كله في محيطنا نحن البشر. فلا داعي من باب أولى أن نقيد الملائكة بطريقة تسجيل معينة مستمدة من تصوراتنا البشرية المحدودة، البعيدة نهائيا عن ذلك العالم المجهول لنا، والذي لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به الله. بلا زيادة!

وحسبنا أن نعيش في ظلال هذه الحقيقة المصورة، وأن نستشعر ونحن نهم بأية حركة وبأية كلمة أن عن يميننا وعن شمالنا من يسجل علينا الكلمة والحركة؛ لتكون في سجل حسابنا، بين يدي الله الذي لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير.

حسبنا أن نعيش في ظل هذه الحقيقة الرهيبة. وهي حقيقة. ولو لم ندرك نحن كيفيتها. وهي كائنة في صورة ما من الصور، ولا مفر من وجودها، وقد أنبأنا الله بها لنحسب حسابها. لا لننفق الجهد عبثا في معرفة كيفيتها!

والذين انتفعوا بهذا القرآن، وبتوجيهات رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الخاصة بحقائق القرآن، كان هذا سبيلهم: أن يشعروا، وأن يعلموا وفق ما شعروا..

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن أبيه عن جده علقمة، عن بلال بن الحارث المزني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه".. قال: فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث. [ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو به وقال الترمذي: حسن صحيح].

وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن. فسمع أن الأنين يكتب. فسكت حتى فاضت روحه رضوان الله عليه.

وهكذا كان أولئك الرجال يتلقون هذه الحقيقة فيعيشون بها في يقين.