أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

{ هو الذي يريكم البرق خوفا } من أذاه . { وطمعا } في الغيث وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف ، أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإخافة والإطماع ، أو الحال من { البرق } أو المخاطبين على إضمار ذو ، أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة . وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه . { وينشئ السّحاب } الغيم المنسحب في الهواء . { الثّقال } وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

وقوله تعالى : { هو الذي يريكم } الآية ، هذه آية تنبيه على القدرة ، و { البرق } روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مخراق بيد ملك يزجر به السحاب{[6933]} ، وهذا أصح ما روي فيه ، وروي عن بعض العلماء أنه قال : البرق : اصطكاك الأجرام ، وهذا عندي مردود ، وقال أبو الجلد : البرق - في هذه الآية - الماء ، وذكره مكي عن ابن عباس .

قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا القول : أنه لما كان داعية الماء ، وكان خوف المسافرين من الماء وطمع المقيمين فيه عبر - في هذا القول - عنه بالماء .

وقوله : { خوفاً وطمعاً } - من رأى ذلك في الماء فهو على ما تقدم ، والظاهر أن الخوف إنما هو من صواعق البرق - والطمع في المطر الذي يكون معه ، وهو قول الحسن ، و { السحاب } جمع سحابة ، ولذلك جمع الصفة - و { الثقال } معناه : بحمل الماء ، وبذلك فسر قتادة ومجاهد ، والعرب تصفها بذلك ، ومنه قول قيس بن الخطيم : [ المتقارب ] .

فما روضة من رياض القطا***كأن المصابيح حواذنُها

بأحسن منها ولا مزنة***دلوح تكشف أدجانُها{[6934]}

والدلوح : المثقلة .


[6933]:الذي وجدناه في المراجع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن "الرعد" وصوته، وقد أخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: {والله على ما نقول وكيل}، قال: هاتوا، قالوا: أخبرنا عن علامة النبي، قال: تنام عينه ولا ينام قلبه، قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر، قال: يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت، قالوا: أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه، فقال: كان يشتكي عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذاـ يعنى الإبل ـ فحرم لحومها، قالوا: صدقت، قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله، قالوا: فماذا الصوت الذي نسمع؟ قال: صوته، قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة وهو أن نتابعك إن أخبرتنا، إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل، قالوا: جبريل ذلك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والمطر لكان، فأنزل الله: {قل من كان عدوا لجبريل} إلى آخر الآية. راجع : الدر المنثور، وفتح القدير، ومسند الإمام أحمد (1ـ274)، أما النص الذي ذكره ابن عطية وفيه لفظ البرق فقد أخرجه أبو الشيخ عن مجاهد، ذكر ذلك في الدر المنثور.
[6934]:قيس بن الحطيم بن عدي بن حارثة الغطريف، كان شاعر الأوس وبينه وبين حسان ابن ثابت منافسات، قدم مكة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وتلا عليه القرآن، فقال: إني لاسمع قولا عجبا فدعني أنظر في أمري هذه السنة وأعود، فمات قبل الحول، وهو في شعره يجري مجرى الجاهليين. والقطا: جمع قطاة، وهو نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويتخذ أفحوصة في الأرض، ويطير في جماعات، ويقطع مسافات شاسعة، وبيضه مرقط. والمزن: السحاب يحمل الماء والواحدة مزنة، والأدجان جمع دجن، وهو ظل الغيم في اليوم المطير حين يكسو الأرض، وقد قال قيس بن الخطيم البيتين من قصيدة ظل يرد بها على حسان حين تعرض لأخت قيس في إحدى قصائده.