نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (58)

ولما تم ذلك كان كأنه قيل : فلم يرجعوا ولم يرعووا لبينة ولا رغبة ولا رهبة فأنزلنا بهم أمرنا { ولما جاء أمرنا } أي وقت إرادتنا لإهلاك عاد { نجينا } أي تنجية عظيمة بما لنا من العظمة { هوداً والذين آمنوا } كائنين { معه } في الإيمان والنجاة من قومهم فلم يقدروا أن يصلوا إليهم بسوء مع اجتهادهم في ذلك وإعجابهم بقواهم ويقال : إن {[39509]}الذين آمنوا{[39510]} كانوا أربعة آلاف .

ولما كان سبحانه بحيث{[39511]} لا يجب عليه لأحد شيء لأنه لا يقدر أحد{[39512]} أن يقدره حق وإن اجتهد في طاعته ، فإن طاعته نعمة منه عليه ، أشار إلى ذلك بقوله : { برحمة منا } تحقيقاً لتوكل عبدناً ؛ ولما بين إنجاءهم من قومهم بين إنجاءهم مما أهلكهم به فقال مكرراً ذكر التنجية دلالة على أن عذابهم كان في غاية الفظاعة{[39513]} : { ونجيناهم{[39514]} } أي بما لنا من العظمة ، وبين فظاعة ما أهلك به أعداءهم بقوله : { من عذاب غليظ* } أي أهلكنا به مخالفيهم وهو الريح الصرصر ، وهذا أولى{[39515]} من حمله على عذاب الآخرة لما يأتي من قوله { ومن خزي يومئذ } كأنهم كانوا إذا رأوا مخايل العذاب قصدوا نبيهم ومن آمن به ليهلكوهم قبلهم كما صرح به في قصة صالح ؛ والنجاة : السلامة من الهلاك ؛ وحقيقة الغلظة{[39516]} عظم الجثة ، فاستعير للعذاب لثقله على النفس وطول مكثه .


[39509]:في ظ ومد: المؤمنين.
[39510]:في ظ ومد: المؤمنين.
[39511]:زيد من ظ ومد.
[39512]:سقط من ظ.
[39513]:زيد من ظ ومد.
[39514]:في ظ: نجاهم.
[39515]:من ظ، وفي الأصل: أدل، وفي مد: أول.
[39516]:في ظ ومد: الغلظ، وفي مد: المضطرب.