نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ} (60)

{ وأُتبعوا } جميعاً بعد إهلاكهم بأيسر وجه لعظيم قدرة المتبع { في هذه الدنيا } حقرها في هذه العبارة بما أشارت إليه الإشارة مع{[39525]} التصغير ، وبما دل على الدنو وبأن من اغتر بها فهو ممن وقف مع الشاهد لما له من الجمود { لعنة } أي طرداً وبعداً وإهلاكاً{[39526]} { ويوم القيامة } أي كذلك بل{[39527]} أشد ، فكأنه قيل : أفما لمصيبتهم من تلاف ؟ فقيل : لا ، { ألا } مفتتحاً{[39528]} للإخبار عنهم بهذه الأداة التي لا تذكر إلا بين يدي كلام يعظم موقعه ويجل{[39529]} خطبه ، والتأكيد في الإخبار بكفرهم تحقيق لحالهم ، وفيه من أدلة النبوة وأعلام الرسالة الرد على طائفة قد حدثت{[39530]} بالقرب من زماننا يصوّبون جميع الملل وخصوا عاداً هذه لكونها أغناهم بأن قالوا : إنهم من المقربين إلى الله وإنهم بعين الرضى منه{[39531]} ، فالله المسؤول في الإدالة عليهم وشفاء الصدور منهم ، وهم {[39532]}أتباع ابن عربي{[39533]} الكافر العنيد أهل الاتحاد ، المجاهرون بعظيم الإلحاد ، المستخفون برب العباد ، فلذلك قال تعالى مبيناً لحالهم بياناً لا خفاء معه : { إن عاداً كفروا } ولم يقصر الفعل ، بل عداه إعظاماً لطغيانهم فقال : { ربهم } أي غطوا جميع أنوار الظاهر الذي لا يصح أصلاً خفاءه لأنه لا نعمة على مخلوق إلا منه ، فكان كفرهم أغلظ الكفر ، ومع ذلك فلم ينثن هود عليه السلام عن إبلاغهم جميع ما أمر به ولا ترك شيئاً مما أوحي إليه فلك به أسوة حسنة{[39534]} وفيهم قدوة{[39535]} ، ومن كفر من أحسن إليه بعد بعداً لا قرب معه .

ولما كان الأمر عظيماً والخطب جليلاً ، كرر الأداة التي تقال{[39536]} عند الأمور الجليلة فقال : { ألا بعداً لعاد } هو{[39537]} من بعد{[39538]} - {[39539]}بكسر العين{[39540]} إذا كان بعده{[39541]} بالهلاك ، وبينهم بقوله : { قوم هود } تحقيقاً لهم{[39542]} لأنهم عادان : الأولى والآخرة ، وإيماء إلى أن استحقاقهم للإبعاد بما جرى له عليه السلام معهم من الإنكار والدعاء عليهم بعد الهلاك كناية {[39543]}عن الإخبار{[39544]} بأنهم كانوا مستحقين{[39545]} للهلاك ؛ والجحد : الخبر عما{[39546]} يعلم صحته أنه لا يعلمها ، وهو ضد الاعتراف {[39547]}كما أن{[39548]} النفي ضد الإثبات ، فهو خبر بمجرد العدم فهو أعم ؛ والعصيان خلاف ما أمر به الداعي على طريق الإيجاب ؛ واللعنة : الدعاء بالإبعاد ، وأصلها الإبعاد من الخير ؛ والإتباع : جعل الثاني على أثر الأول ، والإبلاغ أخص منه ، والمراد هنا بلوغها لهم لأن الذي قضى بذلك قادر وقد ألحق بهم عذاب الدنيا المبعد لهم من مظان الرحمة .


[39525]:في مد: من.
[39526]:من ظ ومد، وفي الأصل: هلاكا.
[39527]:من ظ ومد، وفي الأصل "و".
[39528]:في ظ ومد: افتتاحا.
[39529]:في ظ: يجعل.
[39530]:في مد: حثت.
[39531]:زيد من ظ ومد.
[39532]:في ظ: كبعض.
[39533]:في ظ: كبعض.
[39534]:ليس في ظ.
[39535]:زيد من ظ ومد.
[39536]:في مد: يقال.
[39537]:زيد من ظ ومد.
[39538]:سقط من ظ.
[39539]:من ظ ومد، وفي الأصل: بالكسر.
[39540]:من ظ ومد، وفي الأصل: بالكسر.
[39541]:في مد: بعدوا.
[39542]:زيدت الواو في ظ.
[39543]:من ظ ومد، وفي الأصل: بالإخبار.
[39544]:من ظ ومد، وفي الأصل: بالإخبار.
[39545]:من ظ ومد، وفي الأصل: متحققين.
[39546]:في ظ: مما.
[39547]:في ظ: كان.
[39548]:في ظ: كان.