نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

ولما كان كل علم بالنسبة إلى علم الله عدماً ، {[41393]} عبر عن{[41394]} علمه بالظن ، {[41395]} ويمكن أن يكون الظن على بابه{[41396]} لكونه قال ما مضى اجتهاداً بقرائن فيؤخذ{[41397]} منه أنه يسوغ الجزم بما أدى إلى ظن ، فقال : { وقال } أي يوسف عليه الصلاة والسلام { للذي ظن } مع الجزم بأنه أراد به العلم لقوله : { قضى الأمر } ، ويجوز{[41398]} أن يكون ضمير{[41399]} " ظن " للساقي ، فهو حينئذ على بابه { أنه ناج منهما } وهو الساقي { اذكرني عند ربك } أي سيدك ملك مصر ، بما رأيت مني من معالي الأخلاق وطهارة الشيم الدالة على بعدي مما رُميت{[41400]} به ، والمراد بالرب{[41401]} هنا غير المراد به في قوله :

أرباب متفرقون }[ يوسف :39 ] . فنجا الساقي وصلب صاحبه وفق{[41402]} ما قال لهما يوسف عليه الصلاة والسلام { فأنساه } أي الساقي { الشيطان } أي البعيد من الرحمة المحترق باللعنة { ذكر } يوسف عليه الصلاة والسلام عند { ربه } أي بسبب اعتماده عليه في ذلك { فلبث } أي يوسف عليه الصلاة والسلام بسبب هذا النسيان { في السجن } من حين دخل إلى أن خرج { بضع سنين * } ليعلم أن جميع الأسباب إنما أثرها بالله تعالى ، وحقيقة البضع من الثلاث إلى التسع ، والمروي{[41403]} هنا أنه كان سبعاً .

ذكر ما مضى من هذه القصة من التوراة

قال بعد ما مضى{[41404]} : فأهبط المدينيون{[41405]} يوسف إلى مصر ، فاشتراه قوطيفر الأمير صاحب شرطة فرعون - رجل مصري - من يد الأعراب الذين أهبطوه إلى هناك{[41406]} ، فكان الرب{[41407]} {[41408]} سبحانه وتعالى{[41409]} بعونه مع{[41410]} يوسف ، وكان رجلاً منجحاً ، وأقام في منزل المصري سيده ، فرأى سيده أن الرب بعونه{[41411]} معه ، وأن الرب ينجح جميع{[41412]} أفعاله ، فظفر يوسف منه برحمة ورأفة فخدمه{[41413]} ، وسلطه على بيته ، وخوله جميع ما له ، ومن{[41414]} اليوم الذي سلطه على بيته وخوله جميع ما له بارك الرب في بيت المصري من أجل يوسف وفي سببه ، فحلَّت بركة الرب في جميع ما له في البيت والحقل ، فخول كل شيء له ، ولم يكن{[41415]} يعلم بشيء مما له في يده لثقته به ما خلا الخبز الذي كان يأكله ، وكان يوسف حسن{[41416]} المنظر صبيح الوجه .

فلما كان بعد هذه الأمور لمحت امرأة سيده{[41417]} بنظرها إلى يوسف فقالت له : ضاجعني : فأبى ذلك وقال لامرأة سيده : إن سيدي{[41418]} لثقته بي ليس يعلم ما في بيته ، وقد سلطني على جميع ما له ، وليس في هذا البيت أعظم مني ، ولم يمنعني شيئاً ما خلاك أنت لأنك امرأته ، فكيف أرتكب هذا الشر العظيم ، فأخطئي بين يدي الله ، وإذ{[41419]} كانت تراوده كل يوم{[41420]} لم يطعها ليضاجعها ويصير{[41421]} معها ، فبينا{[41422]} هو ذات يوم دخل يوسف إلى البيت ليعمل عملاً ، ولم يكن أحد من أهل البيت هناك ، فتعلقت بقميصه وقالت له : ضاجعني ، فترك قميصه في يدها و{[41423]} هرب ، فخرج إلى السوق ، فلما رأت أنه قد ترك قميصه في يدها{[41424]} وخرج هارباً إلى السوق ، دعت بأهل بيتها وقالت لهم : انظروا ، إنه أتانا رجل عبراني ليفضحنا ، لأنه دخل عليّ يريد مضاجعتي ، وهتفت{[41425]} بصوت عال{[41426]} ، فلما رآني قد رفعت صوتي وهتفت ، ترك قميصه في يدي وهرب إلى السوق .

فصيرت قميصه عندها حتى دخل سيدها البيت ، فقالت : له مثل هذه الأقاويل : دخل عليّ{[41427]} هذا العبد العبراني الذي جلبته{[41428]} علينا يريد يفضحني ، فلما رفعت صوتي فصحت ترك قميصه في يدي وهرب فخرج إلى السوق ؛ فلما سمع سيده كلام امرأته استشاط{[41429]} غيظاً ، فأمر به سيده فقذف في الحبس الذي كان أسرى{[41430]} الملك فيه محبوسين فمكث هناك في السجن ، وكان الرب يبصره ، ورزقه المحبة والرحمة ، وألقى له في قلب السجان رحمة ، فولى يوسف جميع المسجونين الذين{[41431]} في الحبس ، وكل فعل كانوا يفعلونه هناك كان عن أمره ، ولم يكن رئيس السجن يضرب على يديه في شيء ، لأن الرب كان بعونه معه ، وكل شيء كان يفعله ينجحه الرب .

{[41432]} فلما كان بعد هذه الأمور ، أذنب صاحب شراب ملك مصر والخباز - وفي نسخة موضع الخباز : ورئيس الطباخين - بين يدي سيدهما ملك مصر ، فغضب فرعون على خادميه : على رئيس أصحاب الشراب ورئيس الخبازين - وفي نسخة : الطباخين - فأمر بحبسهما في سجن صاحب الشرط{[41433]} في الحبس الذي كان فيه يوسف ، فسلط صاحب السجن يوسف عليهما فخدمهما ، فلبثا في السجن أياماً ، فرأيا رؤيا جميعاً ، كل واحد{[41434]} منهما رئيا بكل{[41435]} في ليلة واحدة ، وكل واحد منهما أحب تعبير حلمه ، : الساقي وخباز - وفي نسخة : وطباخ - ملك مصر ، فدخل عليهما يوسف بالغداة ، فرآهما عابسين مكتئبين{[41436]} فسألهما وقال : ما بالكما يومكما هذا عابسين مكتئبين{[41437]} ؟ فقالا له : إنا رأينا رؤيا وليس لها معبر ، فقال لهما يوسف : إن علم التعبير عند{[41438]} الله ، قصا عليّ .

فقص رئيس أصحاب الشراب على يوسف وقال له : إني رأيت في الرؤيا كأن حبلة{[41439]} بين يدي ، في الحبلة{[41440]} ثلاثة{[41441]} قضبان ، فبينا هي كذلك إذ فرعت ونبت{[41442]} ورقها ، وأينعت عناقيدها ، فصارت عنباً ، وكأن كأس فرعون في يدي ، فتناولت من العنب ، فعصرته في كأس فرعون ، وناولت الكأس فرعون ، فقال له يوسف عليه السلام : هذا تفسير رؤياك : الثلاثة قضبان{[41443]} هي ثلاثة{[41444]} أيام ، ومن بعد ثلاثة أيام يذكرك فرعون فيردك{[41445]} على عملك ، وتناول فرعون الكأس في يده{[41446]} على العادة{[41447]} الأولى التي لم تزل تسقيه ، فاذكرني حينئذ إذا أنعم عليك ، وأنعم عليّ بالنعمة والقسط ، فاذكرني بين يدي فرعون ، وأخرجني من هذا الحبس ، لأني إنما سرقت من أرض العبرانين سرقة ، وحصلت في الحبس هاهنا أيضاً بلا جرم جاء مني . فرأى رئيس الخبازين - وفي نسخة : الطباخين - أنه قد فسر تفسيراً حسناً فقال ليوسف : رأيت أنا أيضاً في منامي كأن ثلاثة أطباق فيها خبز{[41448]} درمك{[41449]} على رأسي ، وفي الطبق الأعلى من كل مآكل فرعون مما يصنعه الخباز - وفي نسخة : عمل طباخ حاذق - وكان السباع{[41450]} والطير تأكلها من الطبق من فوق رأسي ؛ فأجاب يوسف وقال له : هذا تفسير رؤياك : ثلاثة أطباق هي ثلاثة أيام ، وبعد ثلاثة أيام يأمر فرعون بضرب عنقك وصلبك على خشبة ، ويأكل الطير لحمك .

فلما كان اليوم الثالث - وهو يوم ولاد فرعون - اتخذ فرعون وليمة ، فجمع عبيده وافتقد رئيس أصحاب الشراب{[41451]} ورئيس الخبازين - وفي نسخة : الطباخين - فأمر برد رئيس{[41452]} أصحاب الشراب على موضعه ، وسقى فرعون الكأس كعادته ، وأمر بصلب رئيس الخبازين كالذي فسر لهما يوسف عليهما الصلاة والسلام ، فلم يذكر رئيس{[41453]} أصحاب الشراب يوسف عليه الصلاة والسلام ونسيه .


[41393]:في ظ: غير من.
[41394]:في ظ: غير من.
[41395]:العبارة من هنا إلى "إلى ظن" سقطة من م.
[41396]:من ظ ومد، وفي الأصل: ما به.
[41397]:في مد: فيوجد.
[41398]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[41399]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الضمير.
[41400]:من م ومد، وفي الأصل: ربيما، وفي ظ: رميتا.
[41401]:في مد: بالحرب- كذا.
[41402]:في ظ: وقف.
[41403]:من أكثر المفسرين- كما في لباب التأويل 3/233.
[41404]:في الأصحاح التاسع والثلاثين من نسخة التوراة التي نداولها.
[41405]:في ظ: المدنيون.
[41406]:في م ومد: هنالك.
[41407]:زيد من ظ و م ومد والتوراة.
[41408]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد والتوراة.
[41409]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد والتوراة.
[41410]:سقط من مد.
[41411]:سقط من مد والتوراة.
[41412]:سقط من مد.
[41413]:في ظ: فخدمة.
[41414]:في مد: في.
[41415]:زيد من ظ و م ومد والتوراة.
[41416]:زيد بعده في الأصل: المنزلة و، وزيد في ظ "و"، ولم تكن الزيادة في م ومد والتوراة فحذفناها.
[41417]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[41418]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[41419]:من م والتوراة، وفي الأصل و ظ ومد: إذا.
[41420]:من م ومد ونص التوراة، وفي الأصل: ولم يضاجعها فيصير، وفي ظ: لم يطاوعها ويصير- كذا.
[41421]:من م ومد ونص التوراة، وفي الأصل: ولم يضاجعها فيصير، وفي ظ: لم يطاوعها ويصير- كذا.
[41422]:في ظ: فبينما.
[41423]:تكرر ما بين الرقمين في مد.
[41424]:تكرر ما بين الرقمين في مد.
[41425]:في مد: هتف.
[41426]:زيد من م ومد والتوراة.
[41427]:زيد بعده في الأصل: مثل، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد والتوراة فحذفناها.
[41428]:في الأصل: خليته على، وفي ظ و م ومد: خليته، وفي التوراة: جئت به.
[41429]:من م ومد، وفي الأصل: استاط، وفي ظ: استاظ؛ وفي التوراة ما يقاربه معنى.
[41430]:من م ومد والتوراة، وفي الأصل و ظ: أسر.
[41431]:و في ظ: الذي.
[41432]:هذه بداية الأصحاح الأربعين.
[41433]:في م ومد: الشرطة.
[41434]:سقط من ظ.
[41435]:زيد من م ومد، وفي التوراة: كل واحد حلمه كل واحد بحسب تعبير حلمه.
[41436]:في ظ: متكيين.
[41437]:في ظ: متكيين.
[41438]:في ظ: على.
[41439]:من البحر 5/308، وفي الأصل و ظ: حيلة، وفي م ومد: حلة، وفي التوراة: كرمة.
[41440]:من م والبحر، وفي الأصل: الحيلة، وفي ظ: الحلية، ولا يتضح في مد.
[41441]:من م ومد والتوراة، وفي الأصل و ظ: ثلاث.
[41442]:في ظ: نبتت.
[41443]:في التوراة: القضبان.
[41444]:في ظ: الثلاثة.
[41445]:زيد من م ومد والتوراة.
[41446]:في م والتوراة: كالعادة.
[41447]:في م والتوراة: كالعادة.
[41448]:زيد من م ومد.
[41449]:الدرمق والدرمك: الدقيق الأبيض.
[41450]:في ظ: السباح.
[41451]:العبارة من هنا إلى "أصحاب الشراب" ساقطة من مد.
[41452]:زيد من م والتوراة.
[41453]:زيد من م والتوراة.