ولما بطل هذا السبب الذي أمر به يوسف عليه الصلاة والسلام ، وهو تذكير الشرابي به ، أثار الله سبحانه سبباً ينفذ به ما أراد من رئاسته وقضى به من سجود من دلت عليه الكواكب فقال دالاً على ذلك : { وقال الملك } وهو شخص قادر واسع المقدور إليه السياسة والتدبير ، لملاه وهم السحرة والكهنة والحزرة{[41454]} والقافة والحكماء ، وأكد ليعلم أنه محق في كلامه غير ممتحن : { إني أرى } عبر بالمضارع حكاية للحال لشدة ما هاله{[41455]} من ذلك { سبع بقرات سمان } والسمن : زيادة البدن من اللحم والشحم { يأكلهن سبع } أي{[41456]} بقرات { عجاف } والعجف : يبس الهزال { و } إني أرى { سبع{[41457]} } .
ولما كان تأويل المنام الجدب{[41458]} والقحط والشدة ، أضاف العدد إلى جمع القلة بخلاف ما كان في سياق المضاعفة في قوله
{ أنبتت سبع سنابل{[41459]} }[ البقرة :261 ] فقال : { سنبلات خضر و } إني أرى سبع سنبلات { أخر يابسات } التوت{[41460]} على الخضر فغلبت عليها ، وكأنه حذف هذا لدلالة العجاف عليه ؛ والسنبلة : نبات كالقصبة حملة{[41461]} حبوب منتظمة{[41462]} ، وكأنه{[41463]} قيل : فكان ماذا ؟ فقيل : قال الملك : { ياأيها الملأ } أي الأشراف النبلاء الذين تملأ العيون مناظرهم والقلوب مخابرهم ومآثرهم { أفتوني } أي أجيبوني وبينوا لي كرماً منكم بقوة وفهم ثاقب .
ولما كان مراده أن لا يخرجوا بالجواب عن القصد ولا يبعدوا به ، عبر بما يفهم الظرف فقال : { في رؤياي } ومنعهم من الكلام بغير علم بقوله{[41464]} : { إن كنتم للرؤيا } أي جنسها { تعبرون * } وعبارة الرؤيا : تأويلها بالعبور من علنها إلى سرها كما تعبر ، من عبر النهر - أي شطه - إلى عبره{[41465]} الآخر ، ومثله أولت{[41466]} الرؤيا - إذا ذكرت مالها ومرجعها المقصود بضرب المثال .
والمادة - بتراكيبها الستة : عرب ، وعبر ، ورعب ، وربع ، وبعر ، وبرع - تدور على الجواز من محل إلى محل ومن حال إلى حال ، وأكثر ذلك إلى أجود ، فالعرب سموا لأن مبنى أمرهم على الارتحال لاستجادة المنازل ، وأعرب - إذا أفصح ، أي تكلم بكلام العرب فأبان عن مراده ، أي أجازه من العجمة والإبهام{[41467]} إلى البيان ، وأعرب الفرس - إذا خلصت عربيته{[41468]} ، فكأنه جاز مرتبة الهجن{[41469]} إلى العرب{[41470]} ، وكذا الإبل العراب ، والعروبة : يوم الجمعة - لعلو قدرها عن بقية الأيام ، والعروب : المرأة الضحاكة العاشقة لزوجها المتحببة إليه المظهرة له ذلك ، وهي أيضاً العاصية لزوجها - لأن كل ذلك من أفعال العرب ، فهم أعشق الناس وأقدرهم على الاستمالة{[41471]} بالكلام{[41472]} العذب ، وهم أعصى الناس وأجفاهم إذا أرادوا ، والعرب{[41473]} - ويحرك : النشاط - لأنه انتقال عن الكسل ، وقد عرب - كفرح - إذا نشط وإذا{[41474]} ورم ، لأن الوارم{[41475]} يتجاوز هيئة{[41476]} غيره ، وعربت البئر : كثر ماءها فارتفع ، وعرب - كضرب : أكل ، والعربة{[41477]} ، محركة : النهر الشديد الجري ، والنفس{[41478]} - لكثرة انتقالها بالفكر ، والعربون : ما عقد{[41479]} به المبايعة من الثمن ، فنقل السلعة من حال إلى حال ، واستعربت البقر : اشتهت{[41480]} الفحل ، إما من العروب العاشقة لزوجها ، وإما لنقل الشهوة لها من حال إلى أخرى ، وتعرب : أقام{[41481]} بالبادية ، مع الأعراب الذين لا يوطنون مكاناً ، وإنما هم مع{[41482]} الربيع ، وعروباء : اسم السماء{[41483]} السابعة - لارتفاعها عن جميع السماوات ، فكأنها جازت الكل ، ولأن حركتها حركة للكل ، والعرب - بالكسر : يبيس البهمي ، لأنه صار أهلاً للنقل ولو بتطيير الهواء ، والعربي{[41484]} : شعير أبيض سنبله حرفان{[41485]} - كأنه نسب إلى العرب لجودته{[41486]} ، والإعراب : إجراء الفرس ومعرفتك بالفرس العربي{[41487]} من الهجين - لانتقال حال الجهل بذلك إلى حال العلم ، وأن لا يلحن في الكلام - كأنه انتقل بذلك من العجمة إلى العربية ، وعرب الرجل - بالكسر - إذا أتخم ، وكذا الفرس من العلف ، ومعدته : فسدت ، وجرحه : بقي به أثر بعد البرء ، كل ذلك ناقل من حال إلى غيرها ، والتعريب : تهذيب المنطق من اللحن - كأنه رفع نفسه إلى العرب ، وقطع سعف النخل - لأنه نقلها عن حالها إلى أصلح منه ، وأن تكوى{[41488]} الدابة على أشاعرها ثم{[41489]} تبزع بمبزع{[41490]} ، والتعريب أيضاً والإعراب : ما قبح من الكلام ، وتقبيح قول القائل كأنه حكم بزوال عربيته ، وهما أيضاً الرد عن القبيح ، وذلك إدخاله في خصال العرب{[41491]} التي هي معالي الأخلاق ، وهما أيضاً النكاح ، أو{[41492]} التعريض به لأن نقله من حال إلى حال وفعل إلى فعل{[41493]} قولاً وعملاً ، والتعريب : الإكثار من شرب الماء الصافي ، واتخاذ فرس عربي ، وما بها عريب{[41494]} ، أي أحد يعرب ؛ وعبر الرؤيا - إذا فسرها وأخبر بما{[41495]} يؤول إليه أمرها ، كأنه جاز ظاهرها إلى بطن منها ، وعبرت الكتاب أعبره{[41496]} عبراً : تدبرته ولم ترفع به صوتك ، وعبرت النهر : قطعته من عبره - أي شطه - إلى عبره ، والعبر أيضاً : الجانب ، لأنه يعبر منه وإليه ، والمعبر : سفينة يعبر عليها النهر{[41497]} وشط هيىء للعبور{[41498]} ، وعبر القوم : ماتوا ، والعبرة - بالكسر : العجب ، وبالفتح : الدمعة قبل أن تفيض - كأن لها قوة الجري ، {[41499]} أو هي تردد البكاء في الصدر أو الحزن بلا بكاء ، لأن ذلك مبدأ جري الدمع ؛ وفي مختصر العين : وعبرة الدمع : جريه ، والعبرة : الدمع نفسه .
والعبر - بالضم ويحرك : سخنة العين ، والكثير من كل شيء ، و الجماعة - لأن ذلك جوازعن حد القلة{[41500]} ، ولأنهم{[41501]} يجيزون ما شاؤوا ، ومجلس عبر - بالكسر والفتح : كثير الأهل - من ذلك ، وأيضاً هو أهل لأن يعبر بجماعته من حال إلى حال ، وامرأة مستعبرة - وتفتح الباء : غير حظية ، أي هي أهل لجري{[41502]} العبرة ، وناقة عبر أسفار - مثلثة قوية{[41503]} ، وعبرت عن الرجل تكلمت عنه - كأنك عبرت{[41504]} من خاطره إلى خاطر المخاطب ، وعبرت الدنانير تعبيراً : وزنتها ولم تبالغ في وزنها - كأنك{[41505]} عبرت من الجهل بمقدارها إلى الظن ، و عابر سبيل ، أي مار ؛ والشعري : العبور : نجم خلف الجوزاء{[41506]} ، والعبور : الجذعة من الغنم - لأنها جازت سنة وتأهلت العبور مع الغنم وكانت في عدادها ، والعبور : الأقلف - لأن كمرته عابرة{[41507]} في قلفته ، وغلام معبر : لم يختن ، ورجل عبر : كاد{[41508]} أن يحتلم ولم يختن بعد ، أي كاد أن يصير إلى حد{[41509]} البالغين{[41510]} على هذه الحال ، وهي أن كمرته عابرة في قلفته ، وعبر به الأمر تعبيراً : اشتد عليه - كأنه جاز من حالة الرخاء إلى الشدة وعبرت{[41511]} به أهلكته ، والمعبرة - بالتخفيف : ناقة لم تنتج ثلاث سنين ، فيكون أصلب لها - لأنها صارت أهلاً لأن يعبر عليها في الأسفار ، والعبير ضرب من الطيب - لعبور ريحه ، والزعفران - لعبور لونه وريحه ، والعبرى : السدر النهري{[41512]} - لنباته في عبر النهر ، والمعبر{[41513]} من الجمال : الكثير الوبر ، ومن الشاء{[41514]} : التي لم تجز - كأنه لجواز الصوف عن حد{[41515]} جلدهما ، وسهم معبر{[41516]} وعبير{[41517]} : كثير الريش - كأنه عبر عن حد العادة ، والعبر - بالضم : الثكلى ، لأنها أهل{[41518]} لإرسال العبرة ، والسحاب التي تسير شديداً ، والعقاب - لقوتها على قطع المسافات ، ونبات عبر{[41519]} : الكذب والباطل - لسرعة زواله ؛ ورعبت فلاناً : أفزعته ، فهو مرعوب - لأنك أجزته من الأمن إلى الخوف ، وسيل راعب : أي يملأ الوادي{[41520]} ، وراعب : أرض ، منها الحمام الراعبية ، والحمام أيضاً لها قوة العبور بالرسائل من مكان إلى مكان ، ورعبت الحمامة في صوتها ترعيباً : رفعته ، ورعبت السنام : قطعته ، والرعبوبة : قطعة منه - لأنها جازت مكانها ، و{[41521]} جارية رعبوبة{[41522]} ورعبوب{[41523]} : حسنة القوام تامة - كأنها جازت أقرانها حسناً ، والرعب : القصار ، واحدهم رعيب وأرعب ، تشبيه{[41524]} بالقطعة من السنام ؛ والبعر : رجيع الخف والظلف إلا البقر الأهلية ، لأنها تخثى{[41525]} ، والوحشية تبعر بعراً - لأنه يجوز من مكانه من غير أن يلوثه ، فلا يبقى منه به شيء ، والمعبر ، مكانه ، والبعير : الجمل البازل أو الجذع{[41526]} ، وقد يكون الحمار وكل ما يحمل ؛ وفي مختصر العين : وإذا رأت العرب ناقة أو جملاً من بعيد قالوا : هذا بعير ، فإذا عرفوا قالوا للذكر : جمل{[41527]} ، وللأنثى : ناقة ، والبعرة - بالتحريك : الكمرة ، تشبيهاً بها ، والربع : المنزل والدار بعينها ، والمحلة{[41528]} - لأنها يخرج{[41529]} منها ويدخل{[41530]} إليها ، ولذلك سميت متبوأ ، لأنها يتبوأ{[41531]} إليها ، أي يرجع ، و{[41532]} ربع يربع{[41533]} : أقام ، وأربع على نفسك : انتظر{[41534]} ، كأنه من الربع ، أي المنزل ، لأنه يقام فيه : وربع{[41535]} - إذا أخصب - للانتقال من حال إلى حال{[41536]} أخرى ، وهم على ربعاتهم ، أي استقامتهم وأمرهم الأول - كأنه من المنزل ، والروبع - كجوهر : الضعيف الدنيء{[41537]} - كأن ذلك يلزم من الإقامة في المنزل ، وبهاء : قصير{[41538]} العرقوب ، والرجل القصير - كأنه تشبيه{[41539]} بالربعة في مطلق القصر عن الطويل{[41540]} ، وربع الحجر : رفعه{[41541]} ، والحمل : رفعه على الدابة ، والمربوع : المنعوش{[41542]} المنفس{[41543]} عنه - لتحول الحال في كل ذلك ، والمربعة : خشبة يرفع بها العدل ، والمرابعة : أن تأخذ يد صاحبك وترفعا الحمل على الدابة - كأنه مع النقل مأخوذ من الأربعة ، وهي أيضاً المعادلة بالربيع ، ومنه تربعت{[41544]} الناقة سناماً{[41545]} طويلاً ، {[41546]} أي حملته ، وربيع الشهور : شهران بعد صفر ، وربيع الفصول اثنان الذي فيه النور والكمأة ، والذي تدرك فيه الثمار - للانتقال في كل منهما ، والربع - كصرد : الفصيل ينتج في الربيع ، وناقة مربع : ذات ربع ، وأربع{[41547]} القوم{[41548]} : صاروا أربعة ، ودخلوا في الربيع ، وأقاموا في المربع{[41549]} ، وربعت الأرض : أصابها مطر الربيع ، والمرابيع : الأمطار أول{[41550]} الربيع ، وأربع الرجل - إذا ولد له في شبابه ، تشبيهاً للشباب بالربيع ، وناقة مرباع - إذا كانت عادتها أن تنتج في ربعية{[41551]} القيظ ، والربعية{[41552]} : أول الشتاء ، والربيع : الجدول - لجريه وإنبات ما حوله ، وجمعه أربعاء ، والحجر يشيلونه لتجربة القوى{[41553]} ، والرابع تلو الثالث - لأنه جاز{[41554]} الجمع ، ووتر{[41555]} وحبل{[41556]} مربوع : مفتول على أربع قوى ، وربعتُ القوم أربعهم : صرت{[41557]} رابعهم ، والأربعاء{[41558]} : يوم ، و{[41559]} المرباع : ربع الغنيمة الذي{[41560]} كان يأخذه{[41561]} الرئيس ، والرباعية - كثمانية : السن بين الثنية والناب ، وعدتها أربع ، وكل ما بلغ الأربعة رباع كثمان ، وتقول{[41562]} للغنم في الرابعة{[41563]} وللبقر والحافر{[41564]} في الخامسة وللخف{[41565]} في السابعة : أربعت ، كأنه لا يجوز في كل نوع من حد الصغر إلى الكبر{[41566]} إلا بذلك ، وأربع الفرس : ألقى رباعيته ، وحمى ربع : تأتي في اليوم الرابع{[41567]} ، وقد ربع الرجل وأربع ، وهو معنى ما قال في القاموس : وربعته الحمى : أخذته الحمى يوماً بعد يومين ، لأن يومها الثاني هو رابع يومها الأول ، والربعة - بالفتح : جونة العطار - لتضوع ريحها ، والرجل بين الطويل والقصير - ويحرك - كالمربوع ، لجوازه حد كل منهما ، هذا إلى الطول ، وهذا إلى القصر ، وارتبع : صار ربعة ، والربعة - محركة : أشد عدو{[41568]} الإبل ، والمسافة بين أثافي القدر - لعبور{[41569]} كل منهما عن محل{[41570]} صاحبتها ، وأربع ماء الركية : كثر ، فجاز عن محله الأول ، وعلى فلان : سأله ثم ذهب ثم عاوده ، وعلى المرأة : كر إلى جماعها ، والقوم إبلهم مكان كذا : رعوها وأرسلوها على الماء ترد متى شاءت ، ويجوز أن يكون هذا أيضاً من الربيع ، وأربعت الناقة - إذا استغلقت رحمها فلم تقبل الماء ، كأنها{[41571]} أزالت العبور ، أي الانتقال من حال إلى أخرى ، والربيعة : البيضة من السلاح - لنقلها صاحبها إلى الحصانة ، والروضة{[41572]} - لجواز النبت فيها عن حد الأرض ، والمربع : شراع السفينة - لأنه آلة السير ، والمربع : الرجل الكثير النكاح - لعبوره عن حاله{[41573]} الأولى ، ولجلوسه بين الشعب الأربع ، وتربع{[41574]} في جلوسه ضد جثا ، إما لأنه صار على شكل المربع ، وإما أخذا{[41575]} من الربع إلى المنزل ، لأنها جلسة المقيم في منزله ، وتربعت النخيل : خرفت{[41576]} وصرمت - لتحول حالها ، واستربع{[41577]} الرمل : تراكم ، إما لجوازه عن حاله{[41578]} الأولى ، وإما من الإقامة في الربع ، واستربع الغبار ، ارتفع ، والبعير للمسير{[41579]} : قوى عليه وصبر ، والرجل بالأمر : استقل وصبر ، وفلان يقيم رباعة قومه ، أي{[41580]} شأنهم وحالهم{[41581]} أي{[41582]} يجيزهم{[41583]} من حال إلى أخرى ، ومضى من بني فلان ربوع{[41584]} بعد ربوع ، أي أحياء بعد أحياء{[41585]} ، إما لأن ذلك جواز من دار إلى دار وحال إلى حال ، وإما على حذف مضاف ، أي أهل ربوع منازل ، واليربوع : دابة كالفأرة{[41586]} ، إما لشدة جريها ، {[41587]} وإما{[41588]} لجعلها نافقاءين{[41589]} تهرب من أيهما شاءت ، فهي عابرة منتقلة بالقوة وإن كانت ساكنة ، واليربوع : لحمة المتن - كأنه مشبه{[41590]} بالدابة ؛ وبرع الرجل - مثلثة : فاق أصحابه في علم أو غيره ، {[41591]} أو تم{[41592]} في كل فضيلة وجمال ، وهذا أبرع منه : أضخم - لأنه جاز مقداره ، والبارع : الأصيل الجيد الرأي ، وتبرع بالعطاء{[41593]} : تفضل بما لا يجب عليه من عند نفسه كأنه جاز{[41594]} رتبة الواجب - والله أعلم .
وفي الآية ما يوجبه{[41595]} حال العلماء من حاجة الملوك إليهم ،