نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞وَلَقَدۡ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (92)

ولما دل على كذبهم في دعوى الإيمان بما فعلوا بعد موسى مما استحقوا به الخلود في النار أقام دليلاً آخر أقوى من كل ما تقدمه ، فإنه لم يعهد إليهم في التوراة ما عهد إليهم في التوحيد والبعد عن الإشراك{[3742]} وهو{[3743]} في النسخ الموجودة بين أظهرهم الآن ، وقد نقضوا جميع ذلك باتخاذ العجل في أيام موسى وبحضرة هارون عليهما السلام كما هو منصوص الآن فيما بين أيديهم منها فقال تعالى : { ولقد جاءكم موسى بالبينات } {[3744]}من الآيات{[3745]} .

ولما كان كفرهم مع ذلك في غاية الاستبعاد عبر عنه بأداته{[3746]} مصوراً لزيادة قبحه بترتبه على أظهر البيان وموبخاً لهم{[3747]} فقال : { ثم اتخذتم }{[3748]} أي مع العلاج لفطركم الأولى وعقولكم السليمة{[3749]} { العجل }{[3750]} ونبه{[3751]} بالجار على أن الاتخاذ في بعض زمن البعد فقال : من بعده أي بعد مفارقة موسى لكم إلى الطور كما في الآية الأخرى

{ فتنا قومك من بعدك }[ طه : 85 ] { وأنتم } أي{[3752]} والحال أنكم { ظالمون * } أي لم تزعموا أنه إلهكم على جهل منكم بل{[3753]} بعد مجيء البينات إليكم أن إلهكم إنما هو الله الذي أنقذكم من العبودية وأراكم من{[3754]} العجائب الخوارق ما لا يقبل شكاً وسمعتم كلامه فعلمتم أنه ليس بجسم ولا يشبه الجسم ، فلم تفعلوا ذلك إلا لأن الظلم {[3755]}وهو{[3756]} المشي على غير نظام خبط عشواء {[3757]}وصف{[3758]} لكم لازم{[3759]} .


[3742]:ليس في مد
[3743]:ليس في مد
[3744]:ليس في مد
[3745]:ليس في مد
[3746]:ليست في ظ
[3747]:يست في ظ
[3748]:لعبارة من هنا إلى "السليمة" ليست في ظ
[3749]:يس في م
[3750]:العبارة من إلى "فقال" ليست في ظ وفي تبصير الرحمن {العجل} إلاها معبودا (من بعده} أي من بعد تقرها عندكم {و} لا يبعد منكم إذ {أنتم ظالمون} أي عادتكم الظلم كقولكم "سمعنا وعصينا" حين رفع عليكم الطور - انتهى
[3751]:في مد: قيد.
[3752]:ليس في ظ.
[3753]:في م: أي
[3754]:ليس في مد
[3755]:العبارة من هنا إلى "عشواء" ليست في ظ
[3756]:في مد: هي
[3757]:ليس في م
[3758]:ليس في م
[3759]:في البحر المحيط 1/ 308: وإنما كررت عنا لدعواهم أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم وهم كاذبون في ذلك، ألا ترى أن اتخاذ العجل ليس في التوراة بل فيها أن يفرد الله بالعبادة، ولأن عبادة غير الله أكبر المعاصي فكرر عبادة العجل تنبيها على عظيم جرمهم، ولأن ذكر ذلك قبل أعقبه تعداد النعم بقوله "ثم عفونا عنكم" و "فلولا فضل الله عليكم ورحمته" وهنا أعقبه التقريع والتوبيخ، ولأن في قصة الطور ذكر توليهم عما أمروا به من قبول التوراة وعدم رضاهم بأحكامها اختيارا حتى ألجؤوا إلى القبول اضطرارا، فدعواهم الإيمان بما أنزل إليهم مقبولة، ثم في قصة الطور تذييل لم يتقدم ذكره والعرب متى أرادت التنبيه على تقبيح شيء أو تعظيمه كررته، وفي هذا التكرير أيضا من الفائدة تذكارهم بتعداد نعم الله عليهم ونقمه منهم ليزدجر الأخلاف بما حل بالأسلاف -انتهى