نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ} (30)

ثم أشار إلى تعظيم الحج وأفعاله هذه بقوله : { ذلك } أي الأمر الجليل العظيم الكبير المنافع دنيا وأخرى ذلك . ولما كان التقدير : فمن فعله سعد ، ومن انتهك شيئاً منه شقي ، عطف عليه قوله : { ومن يعظم } أي بغاية جهده { حرمات الله } أي ذي الجلال والإكرام كلها من هذا ومن غيره ، وهي الأمور التي جعلها له فحث على فعلها أو تركها { فهو } أي التعظيم الحامل له على امتثال الأمر فيها على وجهه واجتناب المنهي عنه كالطواف عرياناً والذبح بذكر اسم غير الله { خير } كائن { له عند ربه } الذي أسدى إليه كل ما هو فيه من النعم فوجب عليه شكره فإن ذلك يدل على تقوى قلبه ، لأن تعظيمها من تقوى القلوب ، وتعظيمها لجلال الله ، وانتهاكها شر عليه عند ربه .

ولما كان التقدير : فقد حرمت عليكم أشياء أن تفعلوها ، وأشياء أن تتركوها ، عطف عليه قوله بياناً أن الإحرام لم يؤثر فيها كما أثر في الصيد : { وأحلت لكم الأنعام } وهي الإبل والبقر والغنم كلها { إلا ما يتلى } أي على سبيل التجديد مستمراً { عليكم } تحريمه من الميتة والدم وما أهل لغير الله به ، خلافاً للكفار في افترائهم على الله بالتعبد بتحريم الوصيلة والبحيرة والسائبة والحامي وإحلال الميتة والدم .

ولما أفهم ذلك حل السوائب وما معها وتحريم المذبوح للأنصاب ، وكان سبب ذلك كله الأوثان ، سبب عنه قوله : { فاجتنبوا } أي بغاية الجهد اقتداء بالأب الأعظم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي تقدم الإيصاء له بمثل ذلك عند جعل البيت له مباءة { الرجس } أي القذر الذي من حقه أن يجتنب من غير أمر ؛ ثم بينه وميزه بقوله : { من الأوثان } أي القذر الذي من حقه أن يحتنب من غير أمر ، فإنه إذا اجتنب السبب اجتنب المسبب .

ولما كان ذلك كله من الزور ، أتبعه النهي عن جميع الزور ، وزاد في تبشيعه وتغليظه إذ عدله - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك فقال : { واجتنبوا } أي بكل اعتبار { قول الزور* } أي جميعه ، وهو الانحراف عن الدليل كالشرك المؤدي إلى لزوم عجز الإله وتحريم ما لم ينزل الله به سلطاناً من السائبة وما معها ، وتحليل الميتة ونحوها مما قام الدليل السمعي على تحريمه كما أن الحنف الميل مع الدليل ، ولذلك أتبعه قوله :