نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

{ فقال } أي فتسبب عن ذلك أن كذبوه فقال : { الملأ } أي الأشراف الذين تملأ رؤيتهم الصدور عظمة . ولما كان أهل الإيمان كلهم إذ ذاك قبيلة واحدة لاجتماعهم في لسان واحد قدم قوله : { الذين كفروا } أي بالله لأن التسلية ببيان التكذيب أتم ، والصلة هنا قصيرة لا يحصل بها لبس ولا ضعف في النظم بخلاف ما يأتي ، وكأن أفخاذهم كانت متمايزة فزاد في الشناعة عليهم بأن عرف أنهم من أقرب الناس إليه بقوله : { من قومه ما هذا } أي نوح عليه الصلاة والسلام { إلا بشر مثلكم } أي فلا يعلم ما لا تعلمون ، فأنكروا أن يكون بعض البشر نبياً ، ولم ينكروا أن يكون بعض الطين إنساناً ، وبعض الماء علقة ، وبعض العلقة مضغة - إلى آخره ، فكأنه قيل : فما حمله على ذلك ؟ فقالوا : { يريد أن يتفضل } أي يتكلف الفضل بادعاء مثل هذا { عليكم } لتكونوا أتباعاً له ، ولا خصوصية له به دونكم .

ولما كان التقدير : فلم يرسله الله كما ادعى ، عطف عليه قولهم : { ولو شاء الله } أي الملك الأعلى الإرسال إليكم وعدم عبادة غيره { لأنزل } لذلك { ملائكة } وما علموا أن القادر على تفضيل بعض الجواهر بجعلها ملائكة قادر على تفضيل ما شاء ومن شاء بما يشاء من الملائكة وغيرها .

ولما كان هذا متضمناً لإنكار رسالة البشر ، صرحوا به في قولهم كذباً وبهتاناً كما كذب فرعون وآله حين قالوا مثل هذا القول وكذبهم المؤمن برسالة يوسف عليه الصلاة والسلام : { ما سمعنا بهذا } أي بإرسال نبي من البشر يمنع أن يعبد غير الله بقصد التقريب إليه ، فجعلوا الإله حجراً ، وأحالوا كون النبي بشراً { في آبائنا الأولين* } ولا سمعنا بما دعا إليه من التوحيد .