نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (49)

ولما اقتضى السياق السؤال عن بيان بعض حالهم ، أجاب بقوله : { قالوا تقاسموا } أمر مما منه القسم ، أي أوقعوا المقاسمة والمحالفة بينكم { بالله } أي الذي لا سمى له لما شاع من عظمته ، وشمول إحاطته في علمه وقدرته ، فليقل كل منكم عن نفسه ومن معه إشارة إلى أنكم كالجسد الواحد : { لنبيتنّه } أي صالحاً { وأهله } أي لنهلكن الجميع ليلاً ، فإن البيات مباغتة العدو ليلاً .

ولما كانت العادة جارية بأن المبيتين لا بد أن يبقى بعضهم ، قالوا : { ثم لنقولن لوليّه } أي المطالب بدمه إن بقي منهم أحد : { ما شهدنا } أي حضرنا حضوراً تاماً { مهلك } أي هلاك { أهله } أي أهل ذلك الولي فضلاً عن أن نكون باشرنا ، أو أهل صالح عليه السلام فضلاً عن أن نكون شهدنا مهلك صالح أو باشرنا قتله ولا موضع إهلاكهم . ولما كانت الفجيعة من وليه بهلاكه - عليه السلام - أكثر من الفجيعة بهلاك أهله وأعظم ، كان في السياق بالإسناد إلى الولي - على تقدير كون الضمير لصالح عليه السلام - أتم إرشاد إلى أن التقدير : ولا مهلكه .

ولما كانوا قد صمموا على هذا الأمر ، وظنوا أنفسهم على المبالغة في الحلف والاجتراء على الكذب فقالو : { وإنا } أي ونقول في جملة القسم تأكيداً للقسم ، إيهاماً لتحقق الصدق : وإنا { لصادقون* } فيا للعجب من قوم إذا عقدوا اليمين فزعوا إلى الله العظيم ، ثم نفروا عنه نفور الظليم ، إلى أوثان أنفع منها الهشيم .