نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَا كَأَنَّ فِيٓ أُذُنَيۡهِ وَقۡرٗاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (7)

ولما كان الإنسان قد يكون غافلاً ، فإذا نبه انتبه ، دل سبحانه على أن هذا{[53681]} الإنسان المنهمك{[53682]} في أسباب الخسران لا يزداد على مر{[53683]} الزمان إلا مفاجأة لكل ما يرد عليه من البيان بالبغي والطغيان ، فقال مفرداً للضمير حملاً على اللفظ أيضاً لئلا يتعلق متمحل بأن المذموم إنما هو الجمع صارفاً الكلام إلى مظهر العظمة لما اقتضاه الحال {[53684]}من الترهيب{[53685]} : { وإذا تتلى عليه آياتنا } أي يتجدد عليه تلاوة ذلك مع ما له من العظمة من أيّ تال كان وإن عظم { ولى } أي بعد السماع ، مطلق التولي سواء كان على{[53686]} حالة{[53687]} المجانبة أو مدبراً{[53688]} { مستكبراً } أي حال كونه طالباً للكبر موجداً له بالإعراض عن الطاعة تصديقاً لقولنا آخر تلك

{ ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون }[ الروم : 58 ] .

ولما كان السامع لآياته سبحانه جديراً بأن تكسبه رقة وتواضعاً ، قال تعالى دالاً على أن هذا الشقي كان حاله عند سماعه وبعده كما كان قبل : { كأن } أي كأنه ، أي{[53689]} مشبهاً حاله بعد السماع حاله حين { لم يسمعها } فدل ذلك على أنه لم يزل على حالة الكبر لآنه شبه حاله{[53690]} مع السماع بحاله مع عدم السماع ، وقد بين{[53691]} أن حاله مع السماع الاستكبار فكان حاله قبل السماع كذلك .

ولما كان من لم يسمع الشيء قد يكون قابلاً للسمع ، فإذا كلم من حد جرت العادة بأن يسمع منه سمع ، بين أن حال هذا كما كان مساوياً لما قبل التلاوة فهو مساو لما بعدها ، لأن سمعه مشابه لمن به صم ، فالمضارع في " يتلى " مفهم لأن الحال في الاستقبال كهي{[53692]} في الحال فقال تعالى : { كأن في أذنيه وقراً } أي صمماً يستوي معه{[53693]} تكليم غيره له وسكوته .

ولما تسبب عن ذلك استحقاقه لما يزيل نخوته وكبره وعظمته ، وكان استمرار الألم أعظم كاسرٍ لذوي الشمم ، وكان من طبع الإنسان الاهتزاز لوعد الإحسان كائناً من كان نوع{[53694]} اهتزاز قال : { فبشره } فلما كان جديراً بأن يقبل - لا يولّي لظنه البشري - على حقيقتها لأن من يعلم أنه أهل للعذاب بأفعاله الصعاب لا يزال يتوالى عليه النعم مرة {[53695]}بعد مرة{[53696]} حتى يظن أو يكاد يقطع بأن المعاصي سبب لذلك وأنه - لما له عند الله من عظيم المنزلة - لا يكره منه عمل{[53697]} من الأعمال ، قرعه بقوله : { بعذاب } أي عقاب مستمر { أليم * } .


[53681]:زيد من ظ وم ومد.
[53682]:في ظ ومد: انهمك.
[53683]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ممر.
[53684]:في ظ: للترهيب.
[53685]:في ظ: للترهيب.
[53686]:سقط من ظ.
[53687]:في ظ ومد: حال.
[53688]:زيد من ظ وم ومد.
[53689]:سقط من ظ.
[53690]:سقط من ظ.
[53691]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تبين.
[53692]:من ظ وم ومد، أي: كما هي، وفي الأصل: فهي.
[53693]:زيد في الأصل: حال، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53694]:زيد في ظ: من.
[53695]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بعده.
[53696]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بعده.
[53697]:في ظ: عملا.