نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً إِن يُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ} (23)

ولما أمر صريحاً ونهى تلويحاً ، ورغب ورهب ، ووبخ وقرع ، وبين جلالة من آمن به ومن كانوا سبباً في ذلك ، أنكر على من يفعل غيره بالإنكار على نفسه ، محقراً لمن عبدوه من دون الله وهم غارقون في نعمه ، فقال مشيراً بصيغة الافتعال إلى أن في ذلك مخالفة للفطرة الأولى : { ءأتخذ } وبين علو رتبته سبحانه بقوله : { من دونه } أي سواء مع دنو المنزلة ؛ وبين عجز ما عبدوه بتعدده فقال : { آلهة } ثم حقق ذلك بقوله مبيناً بأداة الشك أن النفع أكثر من الضر ترغيباً فيه سبحانه : { إن يردن } إرادة خفيفة بما أشار إليه حذف الياء ، أو شديدة بما أشار إليه إثباتها ، ظاهرة بما دل عليه تحريكها ، أو خفية بما نبه عليه إسكانها .

ولما ذكرهم بإبداعه سبحانه له إرشاداً إلى أنهم كذلك ، صرح بما يعمهم فقال : { الرحمن } أي العام النعمة على كل مخلوق من العابد والمعبود ، وحذرهم بقوله : { بضر } وأبطل أنهى ما يعتقدونه فيها بقوله : { لا تغن عني } أي وكل أحد مثلي في هذا { شفاعتهم } أي لو فرض أنهم شفعوا ولكن شفاعتهم لا توجد { شيئاً } من إغناء .

ولما دل بإفراد الشفاعة على عدهم عدماً ولو اتحدت شفاعتهم وتعاونهم في آن واحد ، دل بضمير الجمع على أنهم كذلك سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين فقال : { ولا ينقذون * } أي من مصيبته إن دعا الأمر إلى المشاققة بما أراده فإنه بمجرد إرادته يكون مراده ، إنفاذاً ضعيفاً - بما أشار إليه من حذف الياء ، ولا شديداً - بما دل عليه من أثبتها ظاهراً خفياً ،