السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً إِن يُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ} (23)

ثم عاد إلى السياق الأول فقال : { أأتخذ } وهو استفهام بمعنى الإنكار أي : لا أتخذ وبين علو رتبته تعالى بقوله { من دونه } أي : سواه مع دنو المنزلة وبين عجز ما عبدوه بتعدده فقال { آلهة } وفي ذلك لطيفة وهي : أنه لما بين أنه يعبد الذي فطره بين أن من دونه لا تجوز عبادته ؛ لأن الكل محتاج مفتقر حادث وقوله { أأتخذ } إشارة إلى أن غيره ليس بإله ؛ لأن المتخذ لا يكون إلهاً ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بتسهيل الثانية بخلاف عن هشام ، وأدخل فيهما ألفاً قالون وأبو عمرو وهشام وورش وابن كثير بغير إدخال ألف ، والباقون بتحقيقهما مع عدم الإدخال وإذا وقف حمزة فله تسهيل الثانية والتحقيق ؛ لأنه متوسط بزائد وله أيضاً إبدالها ألفاً .

ثم بين عجز تلك الآلهة بقوله { إن يردن الرحمان } أي : العام النعمة على كل المخلوقين العابد والمعبود { بضر } أي : سوء ومكروه { لا تغن عني شفاعتهم شيئاً } أي : لو فرض أنهم شفعوا ولكن شفاعتهم لا توجد { ولا ينقذون } أي : بالنصر والمظاهرة من ذلك المكروه أو من العذاب لو عذبني الله تعالى إن فعلت ذلك .

فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى هنا : { إن يردن الرحمان } بصيغة المضارع وقال في الزمر : { إن أرادني الله } ( الزمر : 38 ) بصيغة الماضي وذكر المريد هنا باسم الرحمان وذكر المريد هناك باسم الله ؟ أجيب : بأن الماضي والمستقبل مع الشرط يصير الماضي مستقبلاً ؛ لأن المذكور هنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله { أأتخذ } وقوله { ما لي لا أعبد } والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله { أفرأيتم } ( الزمر : 38 ) .

تنبيه : إن يردن شرط جوابه لا تغن عني إلخ والجملة الشرطية في محل النصب صفة لآلهة .

فائدة : أثبت ورش الياء بعد النون في الوصل دون الوقف ، والباقون بغير ياء وقفاً ووصلاً .