نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

ولما بين عنادهم وأن عداوتهم لأهل هذا الدين التي{[26391]} حملتهم على هذا الأمر العظيم ليس بعدها عداوة ، نهى من اتسم بالإيمان عن موالاتهم ، لأنه{[26392]} لا يفعلها بعد هذا البيان مؤمن ولا عاقل ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ؛ ولما كان الإنسان لا يوالي غير قومه إلا باجتهاد في مقدمات{[26393]} يعملها وأشياء يتحبب بها إلى أولئك الذين يريد{[26394]} أن يواليهم ، أشار إلى ذلك بصيغة الافتعال فقال : { لا تتخذوا } أي إن ذلك لو كان يتأتى بسهولة لما كان ينبغي لكم أن تفعلوه ، فكيف وهو لا يكون إلا ببذل الجهد ! { اليهود والنصارى أولياء } أي أقرباء تفعلون معهم ما يفعل القريب مع قريبه ، وترجون منهم مثل ذلك ، وهم أكثر الناس استخفافاً بكم وازدراء لكم ؛ ثم علل ذلك بقوله : { بعضهم أولياء بعض } أي كل فريق منهم يوالي بعضهم بعضاً ، وهم جميعاً متفقون - بجامع{[26395]} الكفر وإن اختلفوا في الدين - على عداوتكم يا أهل{[26396]} هذا الدين الحنيفي ! { ومن يتولهم منكم } أي يعالج فطرته الأولى{[26397]} حتى يعاملهم معاملة الأقرباء { فإنه منهم } لأن الله غني عن العالمين ، فمن والى أعداءه تبرأ منه ووكله إليهم ؛ ثم علل ذلك{[26398]} تزهيداً فيهم وترهيباً{[26399]} لمتوليهم بقوله : { إن الله } أي الذي له الغنى المطلق والحكمة البالغة ، وكان الأصل : لا يهديهم ، أو لا يهديه ، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : الأصل : لا يهديهم ، أو لا يهديه ، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { لا يهدي القوم الظالمين * } أي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها ، فهم يمشون في الظلام ، فلذلك اختاروا غير دين الله ووالوا من لا تصلح موالاته ، ومن لم يرد الله هدايته لم يقدر أحد أن يهديه ، ونفي الهداية عنهم دليل على أن العبرة في الإيمان القلب ، إذ معناه أن هذا الذي يظهر من الإقرار{[26400]} ممن يواليهم ليس بشيء ، لأن{[26401]} الموالي لهم{[26402]} ظالم بموالاته لهم ، والظالم لا يهديه الله ، {[26403]} فالموالي لهم لا يهديه الله{[26404]} فهو كافر ، وهكذا كل{[26405]} من كان يقول أو يفعل ما يدل{[26406]} دلالة ظاهرة على كفره وإن كان يصرح{[26407]} بالإيمان - والله الهادي ، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله - كما قال صلى الله عليه وسلم :

{[26408]} " لا تراءى ناراهما{[26409]} " ومنه{[26410]} قول عمر لأبي موسى رضي الله عنهما حين اتخذ كاتباً نصرانياً : لا تكرموهم إذ أهانهم الله ، ولا تأمنوهم إذ خونهم الله ، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله{[26411]} ، وروي أن أبا موسى رضي الله عنه{[26412]} قال : لا قوام للبصرة إلا به ، فقال عمر رضي الله عنه : مات النصراني - والسلام ، يعني هب أنه مات فما كنت صانعاً حينئذ فاصنعه الساعة .


[26391]:في ظ: الذي.
[26392]:سقط من ظ.
[26393]:في ظ: مقدماته.
[26394]:ف ظ: يريدون.
[26395]:في ظ: بمجامع.
[26396]:في ظ: هل.
[26397]:سقط من ظ.
[26398]:في ظ: ترهيبا فيهم وترغيبا.
[26399]:في ظ: ترهيبا فيهم وترغيبا.
[26400]:من ظ، وفي الأصل: قرار.
[26401]:سقط من ظ.
[26402]:سقط من ظ.
[26403]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26404]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26405]:سقط من ظ.
[26406]:في ظ: دل، وزيد بعده في الأصل: على، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[26407]:من ظ، وفي الأصل: يقرح.
[26408]:في ظ: لا ترى نارهما- كذا، والرواية مذكورة في سنن أبي داود- الجهاد، وسنن النسائي- القسامة.
[26409]:في ظ: لا ترى نارهما- كذا، والرواية مذكورة في سنن أبي داود- الجهاد، وسنن النسائي- القسامة.
[26410]:سقط من ظ.
[26411]:سقط من ظ.
[26412]:في ظ: عنهم.