نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

ولما كان التقدير : آتيناه ذلك لينتهي{[26256]} أهل التوراة عما نسخه منها ، عطف عليه قوله : { وليحكم } في قراءة{[26257]} حمزة بكسر اللام والنصب ، والتقدير على قول الجماعة بالإسكان والجمع والجزم : فلينته أهل{[26258]} التوراة عما نسخ منها وليحكم { أهل الإنجيل } وهم أتباع عيسى عليه السلام { بما أنزل الله } أي الواحد الأحد الذي له جميع صفات الكمال { فيه } من الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومن غير ذلك مما أودعناه إياه من الأحكام والمواعظ الجسام .

ولما كان التقدير : فمن انتهى فأولئك هم المسلمون ، ومن حكم بما أنزل الله فيه فأولئك هم المفلحون ، عطف عليه قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله } أي الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه ، فله كل شيء وليس لأحد معه شيء ، وكل شيء إليه مفتقر ، ولا افتقار له إلى شيء فيه أو في غيره ؛ وهو غير منسوخ ، تديناً بتركه أو{[26259]} لشهوة دعت{[26260]} { فأولئك } أي البعداء عن كل خير البغضاء { هم الفاسقون * } أي{[26261]} المختصون بكمال الفسق ، فإن كان تديناً كان كفراً ، وإن كان لاتباع الشهوات كان مجرد معصية ، لأن الحظوظ والشهوات تحمل على الخروج عن{[26262]} دائرة الشرع مرة بعد أخرى ، فمن ترك الحكم تكذيباً فقد جمع الدركات الثلاث : ستر{[26263]} الدلائل فتنقل{[26264]} من درجة النور إلى دركة الظلام ، فانكب في مهواة الخروج من المحاسن ، فانحط إلى أقبح المساوي ؛ والتعبير بالوصف المؤذن بالعراقة في مأخذ الاشتقاق معلم بأن المراد بكل واحد منها الكفر ، فحقق أن المراد منه الشرعي لا مطلق الستر غاية التحقيق ، فبين بوصفه بالظلم أنه ستر لما ينبغي إظهاره ، وبالفسق أنه بلغ في كونه في غير موضعه النهاية حتى خرق جميع دائرة المأذون فيه فخرج منها ، وهذا{[26265]} إشارة إلى ذنوب أهل الإنجيل لينتج نقض دعواهم البنوة والمحبة ، لأن المعنى : ومن الواضح بكتابك الذي جعل مهيمناً على جميع الكتب أنهم خالفوا أحكامه{[26266]} فهم فاسقون ، أي خارجون عما من شأنه الاستقرار فيه لنفعه ، فواقعون في الظلمة الموجبة لوضع الشيء في غير موضعه المقتضية للتغطية والستر ، وقدم الوصف بالكفر لأن السياق لمن جرف الكلم عن{[26267]} موضعه ، وغير ما كتب من محكم أحكام التوراة من الحدود ، وذلك هو التغطية التي هي معنى الكفر ، لأنه من الظلام ، كما أن الفسق سبب الظلم لأنه الخروج عما من شأنه النفع ، فكان الآخر أولاً في المعنى والأول نهاية في الحقيقة ، والآية دالة على أن فيه أحكاماً ، وكذا قوله تعالى في آل عمران :{ ولأُحل لكم بعض الذي حرم عليكم{[26268]} }[ آل عمران : 5 ] ، وهذا هو الحق ، {[26269]} وأعظم{[26270]} ما غيّر تحريم السبت الذي كان أعظم شعائرهم فأحله ، وغيَّر أيضاً غير ذلك من أحكامهم ؛ قال فيما رأيته من{[26271]} ترجمة إنجيل متى : سمعتم ما قيل للأولين : لا تقتل{[26272]} ، فإن من قتل{[26273]} وجبت عليه لائمة الجماعة ، ومن قال لأخيه : أحمق ، فقد وجبت عليه نار جهنم ، إن أنت قدمت قربانك على المذبح وذكرت{[26274]} هناك أن أخاك واجد عليك فدع قربانك هناك قدام المذبح ، وامض أولاً وصالح أخاك ، وحينئذ فائت وقدم قربانك{[26275]} ، كن متفهماً{[26276]} من خصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق ، لئلا يسلمك الخصم إلى الحاكم ، والحاكم إلى المستخرج وتلقى في السجن ؛ وفي إنجيل لوقا : إذا رأيتم سحابة تطلع من المغرب قلتم : إن المطر يأتي ؛ فيكون كذلك ، وإذا هبت ريح الجنوب قلتم : سيكون حر ، يا مراؤن{[26277]} ! تحسنون تمييز وجه السماء والأرض وهذا الزمان كيف{[26278]} لا تميزونه{[26279]} ، ولا تحكمون بالصدق من قبل نفوسكم ! لأنك إذا ذهبت مع خصمك إلى الرئيس فأعطه ما يجب{[26280]} عليك في الطريق تتخلص منه ، لئلا يذهب بك إلى الحاكم فيدفعك الحاكم إلى المستخرج ويلقيك المستخرج في السجن ؛ وقال متى : الحق الحق أقول لك ! إنك لا تخرج من هناك حتى تؤدي آخر فلس عليك ، سمعتم ما قيل للأولين : لا تزن{[26281]} ، وأنا أقول لكم : إن كل من نظر إلى امرأة و{[26282]} اشتهاها فقد زنى بها في قلبه ، إن شككتك عينك اليمنى فاقلعها وألقها ، لأنه خير لك أن تهلك أحد{[26283]} أعضائك ولا تلقي جسدك كله في جهنم ، {[26284]} قيل : إن من طلق امرأته فيدفع لها{[26285]} كتاب الطلاق ، وأنا أقول لكم : إن من طلق امرأته{[26286]} من غير كلمة زنا فقد جعلها زانية ، ومن تزوج مطلقة فقد زنى ، وأيضاً سمعتم ما قيل للأولين : لا تحنث في يمينك ، وأوف للرب قسمك ، وأنا اقول لكم : إن من طلق امرأته من غير كلمة زنا فقد جعلها زانية ، ومن تزوج مطلقة فقد زنى ، وأيضاً سمعتم ما قيل للأولين : لا تحنث في يمينك ، وأوف للرب قسمك ، وأنا أقول لكم : لا تحلفوا البتة لا بالسماء فإنها{[26287]} كرسي الله ، ولا{[26288]} بالأرض لأنها موطىء{[26289]} قدميه ، ولا بيروشليم فإنها مدينة{[26290]} الملك{[26291]} العظيم ، ولا برأسك لأنك لا تقدر تصنع شعرة بيضاء أو سوداء ، ولتكن كلمتكم : نعم نعم ولا{[26292]} لا ، وما زاد على ذلك فهو من الشر ، سمعتم ما قيل : العين بالعين والسن بالسن ، وأنا أقول لكم : لا تقاوموا الشر ، ولكن من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر ، ومن أراد خصومتك وأخذ ثوبك فدع له رداءك ، ومن سخّرك ميلاً فامض معه اثنين ، قال لوقا : وكل من سألك فأعطه ، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده ، ولا تطلب من الذي يأخذ مالك ، وكما تحبون أن يصنع الناس بكم كذلك فاصنعوا أنتم بهم ؛ وقال متى : سمعتم ما قيل{[26293]} : أحبب قريبك وابغض عدوك ، وأنا أقول لكم : حبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم ، وأحسنوا إلى من أبغضكم - وقال لوقا : يبغضكم - وصلوا على{[26294]} من يطردكم ويحزنكم ، لكيما تكونوا بني أبيكم الذي في السماوات ، لأنه المشرق شمسه على الأخيار والأشرار ، والممطر{[26295]} على الصديقين والظالمين ، وإذا أحببتم من يحبكم فأي أجر لكم ! أليس العشارون{[26296]} يفعلون مثل ذلك ! وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل عملتم ! أليس كذلك{[26297]} يفعل العشارون ! وقال لوقا : إن كنتم إنما تحبون{[26298]} من يحبكم فأي أجر لكم ! إن الخطأة يحبون من يحبهم ، وإن صنعتم الخير مع من يحسن إليكم فأيّ فضل لكم ! إن الخطأة هكذا يصنعون ، وإن كنتم إنما تقرضون من تظنون أنكم تأخذون العوض منه فأي فضل لكم ! إن{[26299]} الخطأة أيضاً يقرضون الخطأة{[26300]} لكي يأخذوا{[26301]} منهم العوض ، لكن حبوا أعداءكم وأحسنوا إليهم ، وكونوا رحماء مثل أبيكم فهو رؤوف ، وقال متى : كونوا أنتم كاملين مثل أبيكم السمائي فهو كامل .

ثم قال في الفصل الثالث والثلاثين{[26302]} : وفي ذلك الزمان مر يسوع في سبت بالزروع وجاع تلاميذه ، فبدأوا{[26303]} يفركون سنبلاً ويأكلون - وفي لوقا : كان تلاميذه يقطعون السنبل ويفركون بأيديهم ويأكلون - فلما أبصرهم الفريسيون قالوا له : ها هو ذا تلاميذك يعملون ما لا يحل في السبت - وفي لوقا : لماذا تفعلون ما لا يحل أن يفعل في السبوت - فقال لهم{[26304]} : أما قرأتم ما صنع داود{[26305]} لما جاع هو والذين معه ! كيف دخل إلى بيت الله وأكل خبز التقدمة{[26306]} الذي لا يحل أكله إلا للكهنة ! قال مرقس : وأعطى الذين كانوا معه ، ثم قال لهم : السبت من أجل الإنسان كان{[26307]} ولم يخلق الإنسان من أجل السبت ؛ قال متى : أو{[26308]} ما{[26309]} قرأتم في الناموس أن الكهنة في السبت في الهيكل ينجسون السبت وليس عليهم جناح ! و{[26310]} أقول لكم : إن ههنا{[26311]} أعظم من الهيكل لو كنتم تعلمون ما هو مكتوب ، إني أريد الرحمة لا{[26312]} الذبيحة ، لِمَ تحكمون على من لا ذنب له ! وقال لوقا : ودخل بيت{[26313]} أحد الرؤساء الفريسيين في يوم{[26314]} سبت ليأكل خبزاً وهم كانوا يرصدونه{[26315]} فإذا إنسان به استسقاء ، فقال يسوع للكهنة والفريسيين : هل يحل أن يبرأ{[26316]} في السبت ؟ فسكتوا فأخذه وأبرأه ثم قال لهم : من منكم يقع ابنه في بئر يوم السبت ولا يصعده في الوقت ؟ فلم يقدروا أن يجيبوه عن هذا ؛ ثم قال متى : فجاء{[26317]} الفريسيون ليجربوه{[26318]} قائلين : هل يحل{[26319]} للإنسان أن يطلق امرأته لأجل كل{[26320]} كلمة ؟ أجاب :{[26321]} أما قرأتم{[26322]} أن الذي خلق في البدء خلقهما ذكراً وأنثى ، من أجل ذلك يترك الإنسان أباه وأمه ويلصق بامرأته ، ويكونان كلاهما جسداً واحداً ، وليس هما اثنين لكن جسد واحد ، وما زوجه الله لا يفرقه الإنسان - وقال مرقس : لا يقدر إنسان يفرقه - قالوا له : لماذا أمر موسى أن يعطى{[26323]} كتاب الطلاق وتخلى{[26324]} ؟ قال لهم : موسى من أجل قسوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم - وفي مرقس{[26325]} : إنهم{[26326]} سألوه فقال{[26327]} لهم : بماذا{[26328]} أوصاكم موسى{[26329]} ؟ قالوا{[26330]} : أمر أن يكتب كتاب الطلاق وتخلى{[26331]} ، قال لهم يسوع : من أجل قسوة قلوبكم كتب لكم{[26332]} موسى هذه الوصية ، من البدء لم يكن هكذا ، وأقول لكم : من طلق امرأته من غير{[26333]} زنا فقد ألجأها إلى الزنا ، ومن تزوج مطلقة فقد زنى ، وفي إنجيل مرقس : وفي البيت أيضاً سأله التلاميذ عن هذا فقال لهم : من طلق امرأته وتزوج أخرى فقد زنى عليها ، وإن هي خلت زوجها وتزوجت آخر فهي زانية ؛ وفي لوقا : كل من يطلق امرأته ويتزوج أخرى فهو يزني ، وكل من تزوج مطلقة من زوجها فهو يزني ؛ قال متى : فقال له التلاميذ : إن كان هكذا علة الرجل مع المرأة فخير{[26334]} له أن لا يتزوج ، فقال لهم : ما كل أحد يستطيع هذا الكلام إلا الذين قد أعطوا ، الآن خِصيانُ ولدوا من بطون أمهاتهم ، وخصيان أخصاهم{[26335]} الناس ، وخصيان أخصوا نفوسهم من أجل ملكوت السماوات ، ومن استطاع أن يحتمل فليحتمل .


[26256]:في ظ: لتنتهي.
[26257]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26258]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26259]:في ظ: الشهوة.
[26260]:في ظ: الشهوة.
[26261]:زيد من ظ.
[26262]:في ظ: من.
[26263]:في ظ: ثم.
[26264]:في ظ: فسقط.
[26265]:في ظ: هذه.
[26266]:في ظ: لأحكامه.
[26267]:من ظ، وفي الأصل: من.
[26268]:آية 5.
[26269]:من ظ، وفي الأصل: فأعظم.
[26270]:من ظ، وفي الأصل: فأعظم.
[26271]:من ظ، وفي الأصل: في.
[26272]:في ظ: لا يقبل.
[26273]:في ظ: قبل.
[26274]:في ظ: ذكر.
[26275]:زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في ظ والإنجيل فحذفناها.
[26276]:من ظ، وفي الأصل: متفمما- كذا.
[26277]:من الإنجيل، وفي الأصل و ظ: مروان.
[26278]:من الإنجيل، وفي الأصل: تميزونه، وفي ظ: يميزونه.
[26279]:من الإنجيل، وفي الأصل: تميزونه، وفي ظ: يميزونه.
[26280]:في ظ: تجب.
[26281]:في ظ: لا يزن.
[26282]:زيدت الواو من ظ.
[26283]:في ظ: واحد من.
[26284]:زيدت الواو في الإنجيل.
[26285]:في ظ: له.
[26286]:زيد من ظ والإنجيل.
[26287]:من ظ، وفي الأصل: فإني.
[26288]:سقط من ظ.
[26289]:في ظ: توطى.
[26290]:في ظ: تدمنه- كذا.
[26291]:من ظ والإنجيل، وفي الأصل: للأعظم- كذا.
[26292]:زيدت الواو في ظ.
[26293]:سقط من ظ.
[26294]:زيد من ظ.
[26295]:في ظ: المطر.
[26296]:في ظ: العاشرون.
[26297]:في ظ: ذلك.
[26298]:في ظ: بحمعون- كذا.
[26299]:سقط من ظ.
[26300]:في ظ: لكن تأخذوا.
[26301]:في ظ: لكن تأخذوا.
[26302]:في ظ: الثاني، وأما فيما عندنا من الأناجيل فهنا الفصل الثاني عشر.
[26303]:في ظ: فبدا.
[26304]:زيد من ظ والإنجيل.
[26305]:زيدت الواو بعده في ظ.
[26306]:في ظ: اليقدمه.
[26307]:في ظ: كأنه.
[26308]:من ظ، وفي الأصل "و".
[26309]:في ظ: فأما.
[26310]:سقط من ظ.
[26311]:في ظ: هنا.
[26312]:في ظ: الا.
[26313]:سقط من ظ.
[26314]:سقط من ظ.
[26315]:في ظ: يرضونه.
[26316]:في ظ: يبروا.
[26317]:في ظ: الفريسين ليحزنوه- كذا.
[26318]:في ظ: الفريسين ليحزنوه- كذا.
[26319]:سقط من ظ.
[26320]:زيد من ظ.
[26321]:تأخر في ظ عن "إن الذي".
[26322]:تأخر في ظ عن "إن الذي".
[26323]:من ظ والإنجيل، وفي الأصل: تعطى.
[26324]:في ظ: يحل.
[26325]:سقط من ظ.
[26326]:زيد بعده في الأصل: لما، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[26327]:في ظ: قال.
[26328]:من ظ، وفي الأصل: بما.
[26329]:سقط من ظ.
[26330]:في ظ: قال.
[26331]:في ظ: بحلى- كذا.
[26332]:سقط من ظ.
[26333]:في ظ: أجل.
[26334]:في ظ: فهو خير.
[26335]:في ظ: أحصاهم.