نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ حَاصِبًا إِلَّآ ءَالَ لُوطٖۖ نَّجَّيۡنَٰهُم بِسَحَرٖ} (34)

ودل على تناهي القباحة في مرتكبهم بتقديم الإخبار عن عذابهم فقال : { إنا } أي بما لنا من العظمة { أرسلنا } ودل على أنه إرسال إهانة بقوله : { عليهم } ودل على هوانهم وبلوغ أمره كل ما يراد به بقوله : { حاصباً } أي ريحاً ترمي بحجارة هي دون ملء الكف فكانت مهلكة لهم محرقة خاسفة مفرقة { إلا آل لوط } وهم من آمن به وكان بحيث إذا رأيته فكأنك رأيت لوطاً عليه السلام لما يلوح عليه من أفعاله والمشي على منواله في أقواله وأحواله وأفعاله .

ولما كان استثناؤهم مفهماً إنجاءهم مع التجويز لإرسال شيء عليهم غير مقيد بما ذكر ، قال مستأنفاً جواباً لمن كأنه قال : ما حالهم : { نجيناهم } أي تنجية عظيمة بالتدريج ، وذكر أول الشروع لإنجاءهم فقال : { بسحر * } أي بآخر ليلة من الليالي وهي التي عذب فيها قومه ، فكأنه تنكيره لأنا لا نعرف تلك الليلة بعينها ، ولو قصدت سحر الليلة التي صبحت منها كان معرفة لا ينصرف ، والسحر : السدس الأخير من الليل : الوقت الذي يكون فيه الإنسان لا سيما النساء والأطفال في غاية الغفلة بالاستغراق في النوم ، ويفتح الله فيها أبواب السماء باذن الدعاء ليحصل منه الإجابة لأن الملوك إذا فتحوا أبوابهم كان ذلك إذناً للناس في الدخول لقضاء الحوائج ، فالنزول وفتح الأبواب كناية عن ذلك - والله سبحانه وتعالى متعال عن حاجة إلى نزول أو فتح باب أو غير ذلك .