ولما كان علم جميع أحوال المخلوق دالاً على أن العالم بها هو خالقه ، و{[28567]}أن من ادعى أن خالقه عاجز عن ضبط مملكته : عن كشف غيره لعوراتها وعلم ما لا يعلمه هو{[28568]} منها ، {[28569]} فلم يكن{[28570]} إلهاً ، وكان الإله هو العالم وحده ، وكان المحيط العلم لا يعسر عليه تمييز التراب من التراب ، وكان صلى الله عليه وسلم يخبرهم عن الله من مغيبات أسرارهم وخفايا أخبارهم مما يقصون منه العجب ويعلمون منه إحاطة العلم حتى قال أبو سفيان بن حرب يوم الفتح : لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء{[28571]} ، قال تعالى عاطفاً { هو الذي } دالاً على الوحدانية بشمول العلم بعد قيام الدليل على تمام{[28572]} القدرة والاختيار ، لأن إنكارهم المعاد لأمرين : أحدهما ظن أن المؤثر في الأبدان امتزاج الطبائع وإنكار أن المؤثر هو{[28573]} قادر مختار ، والثاني أنه - على تقدير تسليم الاختيار - غير عالم بالجزئيات ، فلا يمكنه تمييز بدن{[28574]} زيد عن أجزاء{[28575]} بدن عمرو ، فإذا قام الدليل على كمال قدرته سبحانه واختياره وشمول علمه لجميع المعلومات : الكليات والجزئيات{[28576]} ، زالت جميع الشبهات : { وهو الله } أي الذي له هذا{[28577]} الاسم المستجمع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى المدعو به تألهاً له وخضوعاً وتعبداً ، وعلق بهذا المعنى قوله : { في السماوات } لأن من في الشيء يكون متصرفاً فيه{[28578]} .
ولما كان الخطاب لمنكري البعث أكد فقال : { وفي الأرض } أي هذه صفته دائماً {[28579]}على هذا المراد من أنه سبحانه ثابت له هذا{[28580]} الاسم الذي تفرد به على وجه التأله والتعبد في كل من جهتي{[28581]} العلو والسفل ، ولا يفهم ذو عقل صحيح ما يقتضيه الظاهر من أنه محوي ، فإن كل محوي منحصر محتاج إلى حاويه وحاصره ، ضعيف التصرف فيما وراءه ، ومن كان محتاجاً نوع احتياج لا يصلح للألوهية والمشيئة لحديث الجارية : أين الله ؟ قالت : في السماء ، ومحجوج بحديث : " أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء " فإن ظاهره منافٍ لظاهر الأول ، وظاهر هذا مؤيد بقاطع النقل من أنه غير محتاج ، ومؤيد بصحيح النقل { ليس كمثله شيء } أي لا في ذاته ولا صفاته ولا شيء من شؤونه ، و " قد كان الله ولا شيء معه " ، وحديث " ليس فوقك شيء " - رواه مسلم والترمذي وابن ماجه في الدعوات وأبو داود في الأدب عن أبي هريرة رضي الله عنه - والله الموفق .
ولما كان المراد إثبات أن علمه تعالى محيط ، نسبةُ كل من الخفي والجلي إليه على السواء{[28582]} ، وكان السياق هنا للخفي فإنه في بيان خلق الإنسان وعجيب صنعه فيه بما خلق{[28583]} فيه من إدراك المعاني وهيأه له من قبل أن يقدر على التعبير عنه ، ثم أقدره على ذلك ؛ قدم الخفي فقال شارحاً لكونه لا يغيب عنه شيء : { يعلم سركم ) .
ولما كان لا ملازمة بين علم السر والجهر لأنه قد يكون في الجهر لفظ شديد يمنع اختلاط الأصوات فيه من علمه ، صرح به فقال : { وجهركم } ونسبة كل منها إليه على حد سواء{[28584]} ، ولا توصف واحدة منها بقرب في المسافة إليه ولا بعد ؛ ولما كان السر والجهر شائعين في الأقوال ، وكانت الأقوال تتعلق بالسمع ، ذكر ما يعمهما وهو شائع في الأفعال المتعلقة بالبصر فقال : { ويعلم ما تكسبون } فأفاد ذلك صفتي{[28585]} السمع والبصر مع إثبات العلم ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.