نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَۗ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (10)

ولما أمر الخلق بمتابعة الرسل وحذرهم من مخالفتهم ، فأبلغ في تحذيرهم بعذاب الدنيا ثم بعذاب الآخرة ، التفت إلى تذكيرهم ترغيباً في ذلك بإسباغ نعمه وتحذيراً من سلبها ، لأن المواجهة أردع للمخاطب ، فقال في موضع الحال من { خسروا أنفسهم } : { ولقد مكناهم } أي خسروها والحال أنا مكناكم{[31974]} من إنجائها بخلق القوى والقدر{[31975]} وإدرار النعم ، وجعلنا مكاناً يحصل التمكن فيه { في الأرض } أي كلها ، ما منها من بقعة إلا وهي صالحة لا نتفاعهم بها ولو بالاعتبار { وجعلنا لكم } أي بما لنا من العظمة { فيها معايش } أي{[31976]} جميع{[31977]} معيشة ، وهي أشياء يحصل بها العيش ، وهو تصرف{[31978]} أيام الحياة بما ينفع ، والياء أصلية فلذا لا تهمز ، وكذا ما ولي ألف جمعه حرف علة أصلي وليس قبل ألفه واو كأوائل ولا ياء كحيائر جمع أول وخير فإنه لا يهمز إلا شاذًا كمنائر ومصائب جمع منارة ومصيبة .

ولما كان حاصل ما مضى أنه سبحانه أوجدهم وقوّاهم وخلق لهم ما يديم قواهم ، فأكلوا خيره وعبدوا غيره ، أنتج قوله على وجه التأكيد : { قليلاً ما تشكرون* } أي لمن أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة بما تنجون به أنفسكم ؛ وقال أبو حيان : إنه راجع للذين{[31979]} خوطبوا ب{ اتبعوا ما أنزل إليكم }[ الأعراف : 3 ] وما بينهما أورد مورد الاعتبار والاتعاظ بذكر ما آل إليه أمرهم في الدنيا وما يؤول إليه في الآخرة - انتهى .


[31974]:- في ظ: مكناهم.
[31975]:- من ظ، وفي الأصل: القدرة.
[31976]:-سقط من ظ.
[31977]:- في ظ: جمع.
[31978]:-في ظ: التصرف.
[31979]:- في ظ: إلى الذين.