تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَۗ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { ولقد مكّنّاكم في الأرض } قال أبو بكر الكيسانيّ { مكّنّاكم } أي ملّكناكم { في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش } تتعيّشون بها ، يذكّرهم نعمه ومننه بما ملّكهم في الأرض ، وجعل لهم مطامع ليشكروا له عليها .

وقال الحسن : { مكّنّاكم } أي جعلناكم مستخلفين عمّن تقدّمكم{[8111]} بمكانهم ؛ يذكّرهم عز وجل ، أيضا نعمه عليهم بما جعلهم خلفاء الأولين ، وجعل لهم معايش ، ويخوّفهم زوال ذاك عنهم بما صار ذلك لهم بزوالها عن الأولين . [ وقوله تعالى : { مكّنّاكم } ]{[8112]} يذكّرهم بما جعل لهم مكان القرار وموضع الانتشار والتقلّب والتعيّش ، والبشر لابد له من ذلك .

وكله يرجع إلى واحد كقوله تعالى : { أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا } أي جعلنا الحرم مأمنا لكم بحيث تأمنون فيه ، وتتقلّبون ، وتتعيّشون فيه { ويتخطّف الناس من حولهم } [ العنكبوت : 67 ] ويذكّرهم عظيم نعمه ومننه التي جعلها لهم .

هذا إذا كان الخطاب به أهل مكة . وإن كان الخطاب به الناس كافة يخرّج{[8113]} على تذكير النعم لهم ، حيث جعل الأرض لهم بحيث يقرّون فيها ، ويتقلّبون فيها .

وقوله تعالى : { قليلا ما تشكرون } يحتمل وجوها ، وكذلك قوله تعالى : { قليلا ما تذّكرون } [ غافر : 58 ] .

أحدها : أنهم كانوا يقرّون أنه خالقهم كقوله تعالى{[8114]} : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخّر الشمس والقمر ليقولن الله } [ العنكبوت : 61و . . ] كانوا يقرّون بألوهيته ، ويصرفون العبادة إلى غيره . فلذلك قال : { قليلا ما تشكرون } .

والثاني : أي لا تشكرونه ، ولا تذكرونه البتّة . ويحتمل { قليلا ما تشكرون } أي [ المؤمنون يشكرون ، ولا يشكر ]{[8115]} أولئك ، والمؤمنون قليل ، وهم أكثر .

والثالث{[8116]} : أي ليس في وسعهم القيام بشكر الجميع ، فذلك الشكر قليل .


[8111]:في الأصل وم: تقدمهم.
[8112]:في الأصل وم: وأمكن أن.
[8113]:في الأصل وم: فيخرج.
[8114]:في الأصل وم: بقوله.
[8115]:في الأصل: المؤمنين يشكرون ولا يشكر، في م: المؤمنين يشكرون ولا يشكروا.
[8116]:في الأصل وم: والرابع.