لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَۗ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (10)

قوله عز وجل : { ولقد مكناكم في الأرض } يعني ولقد مكناكم أيها الناس في الأرض ، والمراد من التمكين التمليك وقيل : معناه جعلنا لكم فيها مكاناً وقراراً أو قدرناكم على التصرف فيها { وجعلنا لكم فيها معايش } جمع معيشة يعني به جمع وجوه المنافع التي تحصل بها الأرزاق وتعيشون بها أيام حياتكم وهي على قسمين :

أحدهما : ما أنعم الله تعالى به على عباده من الزرع والثمار وأنواع المآكل والمشارب .

والثاني : ما يتحصل من المكاسب والأرباح في أنواع التجارات والصنائع وكلا مقسمين في الحقيقة إنما يحصل بفضل الله وإنعامه وإقداره وتمكينه لعباده من ذلك فثبت بذلك أن جميع معايش العالم إنعام من الله تعالى على عباده وكثرة الإنعام توجب الطاعة للمنعم بها والشكر له عليها ثم بين تعالى أنه مع هذا الإفضال على عباده وإنعامه عليهم لا يقومون بشكره كما ينبغي فقال تعالى : { قليلاً ما تشكرون } يعني : على ما صنعت إليكم وأنعمت به عليكم ، وفيه دليل على أنهم قد يشكرون لأن الإنسان قد يذكر نعم الله فيشكره عليها فلا يخلو في بعض الأوقات من الشكر على النعم وحقيقة الشكر ، تصور النعمة وإظهارها ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها .