نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

ولما ساق سبحانه هذه البشارة في النذارة ، سبب عنها قوله : { فكلوا مما غنمتم } أي من الفدية وغيرها حال كونه { حلالاً } أي لا درك ولا تبعة فيه من جهتي { طيباً } أي شهياً لكم ملائماً لطباعكم ، وهذا إذا كان مع الشروط التي أقمتها لكم من عدم الغلول والخيانة بوجه من الوجوه والاستئثار وشديد الرغبة السائقة إلى ما لا يليق من التنازع وغيره ، ذلك فيما{[35344]} تقدمت فيه إليكم { واتقوا الله } أي الذي له جميع صفات الكمال في جميع ذلك فلا تغلوا ولا تنازعوا ولا تقدموا إلا على ما يبيحه لكم الرسول صلى الله عليه وسلم { إن الله } أي المتصف بالجلال والإكرام { غفور } أي لمن يعلم من قبله{[35345]} أنه من أهل التقوى { رحيم* } أي له ، فلأجل ما علم في قلوبكم من الخير غفر لكم فلم{[35346]} يعذبكم بتسرعكم{[35347]} إلى إسار من لم يأمركم به الرسول صلى الله عليه وسلم للمفاداة دون توقف على إذنه ، ورحمكم فأحسن إليكم فأحل لكم الغنائم ، انظر إلى قوله تعالى { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم } تعرف حسن تعليل الأمر بالتقوى بالمغفرة والرحمة ، ويجوز أن يكون علة للأكل ، أي كلوا فإن الله قد غفر لكم ما عاتبكم عليه ، وفائدة الأمر بالتقوى التحذير من العود اعتماداً على سعة الحلم ، وايضاً فقد تقدم تهديد ومغفرة فناسب أن يدلهم على أن علة المغفرة التقوى ، فكان ترجمة ذلك انه لما رهبهم بمس العذاب عند أخذ الفداء لولا سبق الكتاب ، رغبهم بأنه كلما صدهم عن جنابه{[35348]} صارف ذنب فردهم إليه عاطف تقوى ، أسبل عليهم ذيل المغفرة والرحمة ،


[35344]:من ظ، وفي الأصل: بما.
[35345]:في ظ: قبله.
[35346]:في ظ: فلا.
[35347]:من ظ، وفي الأصل: بسرعتكم.
[35348]:في ظ: خيانة.