بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

ثم طيبها لهم وأحلها لهم ، فقال عز وجل : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا طَيّباً } . وروى الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : لم تحل الغنيمة لقوم سود الرؤوس قبلكم ، كان تنزل نار من السماء فتأكلها ، حتى كان يوم بدر ، فرفعوا في الغنائم فأحلت لهم فأنزل الله تعالى : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

« أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَها أَحَدٌ قَبْلِي ، بُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِي الأرض مَسْجِداً وَطَهُوراً ، وَجُعِلَتْ لِي شَفَاعَةٌ لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ » . وروى الضحاك في قوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى } قال : إنه لما كان يوم بدر ووقعت الهزيمة على المشركين ، أسرع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ أسلاب المشركين ممن قتل منهم ، وأخذ الغنائم وفداء الأسرى وشغلوا أنفسهم بذلك عن القتال ، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ، ألا ترى إلى ما يصنع أصحابك ؟ تركوا قتال العدو ، وأقبلوا على أسلابهم . وإني أخاف أن تعطف عليهم خيل من خيل المشركين فنزل : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا } ، يعني أتطلبون الغنائم وتتركون القتال { والله يُرِيدُ الآخرة } ، يعني قهر المشركين وإظهار الإسلام ، { والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ *** لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } ؛ لولا ما سبق في الكتاب ، يعني أن الغنائم تحلّ لهذه الأمة ، لأصابكم { عذاب عظيم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ ، مَا نَجَا أَحَدٌ غَيْرُ عُمَرَ لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ القِتَالَ » . وروى مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } قال : سبقت من الله الرحمة لهذه الأمة قبل أن يعملوا بالمعصية ؛ وقال الحسن : سبقت المغفرة لأهل بدر . وعن الحسن أنه قال : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } قال في الكتاب السابق من الله تعالى أن لا يعذب قوماً إلا بعد قيام الحجة عليهم . وقال سعيد بن جبير : لَوْلاَ ما سبق لأهل بدر من السعادة ، { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } من الفداء { عَذَابٌ عظِيمٌ } ، ويقال : { لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ } أن لا يعذب قوماً ، حتى يبين لهم ما يتقون .

ثم قال { واتقوا الله } فيما أمركم به ولا تعصوه . { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، أي متجاوز ، يعني ذو تجارة فيما أخذتم من الغنيمة قبل حلها وحين إذ أحلها لكم .