البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

ثم قال تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } أي مما غنمتم ومنه ما حصل بالفداء الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق وليس هذا الأمر منشأً لإباحة الغنائم إذ قد سبق تحليلها قبل يوم بدر ولكنه أمر يفيد التوكيد واندراج مال الفداء في عموم ما غنمتم إذ كان قد وقع العتاب في الميل للفداء ثم أقرّه الرسول وانتصب { حلالاً } على الحال من ما إن كانت موصولة أو من ضميره المحذوف أو على أنه نعت لمصدر محذوف أي أكلاً حلالاً وجوّزوا في ما إن تكون مصدرية وروي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدّوا أيديهم إليها فنزلت ، وجعل الزمخشري قوله { فكلوا } متسبّباً عن جملة محذوفة هي سبب وأفادت ذلك الفاء وقدّرها قد أبحت لكم الغنائم فكلوا ، وقال الزجاج الفاء للجزاء والمعنى قد أحللت لكم الفداء فلكوا وأمر تعالى بتقواه لأن التقوى حاملة على امتثال أمر الله وعدم الإقدام على ما لم يتقدّم فيه إذن ففيه تحريض على التقوى من مال إلى الفداء ثم جاءت الصفتان مشعرتين بغفران الله ورحمته عن الذين مالوا إلى الفداء قبل الإذن ، وقال الزمخشري : معناه إذا اتقيتموه بعدما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم ، وقال ابن عطية : وجاء قوله { واتقوا الله } اعتراضاً فصيحاً في أثناء القول لأن قوله { إن الله غفور رحيم } هو متصل بقوله { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } ، وقيل غفور لما أتيتم رحيم بإحلال ما غنمتم .