الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون " .

وأخرج أحمد وابن المنذر عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت خمسا لم يعطهم أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي ، ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو مني مسيرة شهر ، وقال لي : سل تعطه . فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله لا يشرك به شيئا ، وأحلت لأمتي الغنائم " .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لم تكن الغنائم تحل لأحد كان قبلنا ، فطيبها الله لنا لما علم الله من ضعفنا ، فأنزل الله فيما سبق من كتابه إحلال الغنائم { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } فقالوا : والله يا رسول الله ، لا نأخذ لهم قليلا ولا كثيرا حتى نعلم أحلال هو أم حرام ؟ فطيبه الله لهم ، فأنزل الله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم ) فلما أحل الله لهم فداهم وأموالهم . قال الأسارى : ما لنا عند الله من خير قد قتلنا وأسرنا ، فأنزل الله يبشرهم ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى ) ( الأنفال الآية 70 ) إلى قوله ( والله عليم حكيم ) .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كانت الغنائم قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمم ، إذا أصابوا منه جعلوه في القربان وحرم الله عليهم أن يأكلوا منها قليلا أو كثيرا ، حرم على كل نبي وعلى أمته ، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلون منه ولا يأخذون منه قليلا ولا كثيرا إلا عذبهم الله عليه ، وكان الله حرمه عليهم تحريما شديدا فلم يحله لنبي إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، قد كان سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال ، فذلك قوله يوم بدر في أخذه الفداء من الأسارى { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } .

وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس رضي الله عنهما ، لما رغبوا في الفداء أنزلت { ما كان لنبي . . . } إلى قوله { لولا كتاب من الله سبق } الآية . قال : سبق من الله رحمته لمن شهد بدرا ، فتجاوز الله عنهم وأحلها لهم .