{ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين } : لما خص تعالى على التفقه في الدين ، وحرض على رحلة طائفة من المؤمنين فيه ، أمر تعالى المؤمنين كافة بقتال من يليهم من الكفار ، فجمع من الجهاد جهاد الحجة وجهاد السيف .
قيل : نزلت قبل الأمر بقتل الكفار كافة ، فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام .
وضعف هذا القول بأنّ هذه الآية من آخر ما نزل .
وقالت فرقة : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تجاوز قوماً من الكفار غازياً لقوم آخرين أبعد منهم ، فأمر الله بغزو الأدنى فالأدنى إلى المدينة .
وقالت فرقة : الآية مبينة صورة القتال كافة ، فهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة ، ومعناها : أنّ الله تعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجيش الذي يضايقه من الكفرة ، وهذا هو القتال لكملة الله ورد البأس إلى الإسلام .
وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض على من اتصل به من المؤمنين كفاية عدوّ ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد .
وقال : قاتلوا هذه المقالة نزلت الآية مشيرة إلى قتال الروم بالشام ، لأنهم كانوا يومئذ العدوّ الذي يلي ويقرب ، إذ كانت العرب قد عمها الإسلام ، وكانت العراق بعيدة ، ثم لما اتسع نطاق الإسلام توجه الفرض في قتال الفرس والديلم وغيرهما من الأمم ، وسأل ابن عمر رجل عن قتال الديلم فقال : عليك بالروم .
وقال علي بن الحسين والحسن : هم الروم والديلم ، يعني في زمنه .
وقال ابن زيد : المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب ، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر }
وقيل : هم قريظة والنضير وفدك وخيبر .
وقال قوم : تحرجوا أن يقاتلوا أقرباءهم وجيرانهم ، فأمروا بقتالهم .
ويلونكم : ظاهره القرب في المكان .
وقيل : هو عام في القرب في المكان ، والنسب والبداءة بقتال من يلي لأنه متعذر قتال كلهم دفعة واحدة ، وقد أمرنا بقتال كلهم ، فوجب الترجيح بالقرب كما في سائر المهمات كالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولأن النفقات فيه ، والحاجة إلى الدواب والأدوات أقل ، ولأن قتال الأبعد تعريض لتدارك المسلمين إلى الفتنة ، ولأن الدين يكون إن كانوا ضعفاء كان الاستيلاء عليهم أسهل ، وحصول غير الإسلام أيسر .
وإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد ، ولأن المعرفة بمن يلي آكد منها بمن بعد للوقوف على كيفية أحوالهم وعَددهم وعُددهم ، فترجحت البداءة بقتال من يلي على قتال من بعد .
وأمر تعالى المؤمنين بالغلظة على الكفار والشدّة عليهم كما قال تعالى : { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } وذلك ليكون ذلك أهيب وأوقع للفزع في قلوبهم .
وقال تعالى : { أعزة على الكافرين } وفي الحديث : « ألقوا الكفار بوجوه مكفهرة » وقال تعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا } وقال : { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا } والغلظة : تجمع الجرأة والصبر على القتال وشدة العداوة ، والغلظة حقيقة في الأجسام ، واستعيرت هنا للشدة في الحرب .
وقرأ الجمهور : غلظة بكسر الغين وهي لغة أسد ، والأعمش وأبان بن ثعلب والمفضل كلاهما عن عاصم بفتحها وهي لغة الحجاز ، وأبو حيوة والسلمي وابن أبي عبلة والمفضل وابان أيضاً بضمها وهي لغة تميم ، وعن أبي عمر وثلاث اللغات ثم قال : واعلموا أنّ الله مع المتقين لينبه على أن يكون الحامل على القتال ووجود الغلظة إنما هو تقوى الله تعالى ، ومن اتقى الله كان الله معه بالنصر والتأييد ، ولا يقصد بقتاله الغنيمة ، ولا الفخر ، ولا إظهار البسالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.