التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ولَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وحْيُهُ وقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا 114 } [ 114 ]

يقضي إليك وحيه : أوجه الأقوال أن الجملة بمعنى حتى يتم وينتهي وحيه إليك . وهذا المعنى في آية البقرة { فإذا قضيتم مناسككم } [ 200 ] بمعنى إذا انتهيتم منها .

تعليق على الآية { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ

ولَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ

وحْيُهُ وقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }

الخطاب في الآية موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو المتبادر والمتفق عليه . وقد تضمن تقرير العلوّ لله عز وجل وتوكيد كونه صاحب الملك الحقيقي المطلق ثم أمر بعدم الاستعجال بما يوحى إليه من القرآن قبل أن يقضي إليه وحيه . وبطلب المزيد من العلم من الله تعالى .

ولقد تعددت روايات المفسرين عن أهل التأويل في جملة { ولَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وحْيُهُ } من ذلك أنها بمعنى لا تعجل في تلاوة ما يوحى إليك وإملائه قبل أن تبان لك معانيه . أو قبل أن نبيّن لك معانيه . ومنها أن الآية مشابهة في مداها لآيات سورة القيامة { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ 17 فَإِذَا قرأناه فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 19 } وأشار أصحاب هذا القول إلى الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس وأوردناه في سياق تفسير هذه الآيات . وقالوا : إن هذا الحادث لذلك الحادث أو هو نفسه .

ومع ما يلحظ من صلة لفظية بين الآية السابقة التي ورد فيها ذكر القرآن أيضا فإننا نرجح أن تكون ما تضمنته مماثلا للحادث الذي تضمنته آيات سورة القيامة . مع القول : إنه حادث ثان إذ لا تظهر الحكمة في الإشارة إليه مرة أخرى لو كان نفس الحادث . ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فكرر ما كان يوحى إليه قبل تمامه خشية التفلت منه فنبه مرة أخرى في هذه الآية . والراجح أن يكون ذلك من ظرف نزول الآيات السابقة فجاءت الآية متساوقة في سبكها ونظمها معها ووضعت في سياقها والله أعلم . ولقد علقنا على مدى الحادث الذي تضمنته آيات سورة القيامة وقد مرّت الإشارة إليه . وما قلناه هناك يصح قوله هنا بتمامه فلا ضرورة للتكرار .

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا رواه ابن ماجه وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم انفعني بما علّمتني وعلّمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كلّ حال " وفي الحديث تعليم نبوي رفيع . وهناك أحاديث أخرى فيها تنويه بالعلم وطلبه وبالعلماء لها صلة بمدى الآية والحديث السابق أيضا . من ذلك حديث رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سلك طريقا يبتغي به علما سلك الله له طريقا إلى الجنّة ، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإنّ العالم ليستغفر له من في السّماوات ومن في الأرض حتّى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر " {[1353]} .

وحديث رواه الشيخان عن أبي مسعود قال " قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلاّ في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها " {[1354]} .

وقد يكون ويقال : إن التنويه في الأحاديث هو بالنسبة للعلم المتصل بدين الله وحدوده وأحكامه . غير أن هذا لا يخرج فيما يتبادر لنا أي علم من مضمون التنويه إذا كان صاحبه مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر ؛ لأنه يزداد فيما يعلمه من علوم عقلية وكونية يقينا بالحقائق الإيمانية على ما شرحناه في سياق تفسير الآية [ 27 ] من سورة فاطر والله تعالى أعلم .


[1353]:التاج ج 1 ص 54.
[1354]:المصدر نفسه.