اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

قوله تعالى : { فتعالى الله الملك الحق } لما عظم{[27007]} أمر{[27008]} القرآن أردفه بأن{[27009]} عظم نفسه وذلك تنبيه على أنَّه يجب على خلقه تعظيمه ، وإنما وصف مُلكَه بالحَقِّ ، لأن ملكه لا يزول ولا يتغير ، وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به ، ولهذا{[27010]} وصف بذلك . و " تَعَالَى " تفاعل{[27011]} من العُلُوّ ، وقد ثبت أن علوه وعظمته{[27012]} لا تكيّفه الأوهام{[27013]} ولا تقدره العقول{[27014]} .

ثم قال : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } .

قال أبو مسلم : إن من قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال }{[27015]} إلى هنا يتم الكلام وينقطع ، ثم قوله : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن } ( خطاب مستأنف كأنه قال : { وَيَسْأَلُونَكَ *** وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن{[27016]} }{[27017]} .

وقال غيره : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أنزل عليه جبريل -عليه السلام{[27018]}- بالقرآن يبادر فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل من التلاوة مخافة الانفلات والنسيان فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يسكت حال قراءة المَلَك ، يقرأ بعد فراغه من ( القراءة{[27019]} ){[27020]} . فكأنه تعالى ما شرح نفع القرآن للمكلفين ، وتبين أنه سبحانه متعال عن كل ما لا ينبغي ، ومن كان كذلك يجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان ( في أمر الوحي ، فإذا حصل الأمان عن السهو والنسيان ){[27021]} فلا تعجل بالقرآن{[27022]} فقوله : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن } يحتمل أن يكون المراد لا تعجل بقراءته في نفسك . لما روى عطاء عن ابن عباس : أن يكون أخذُك القرآن على تثبيت وسكون{[27023]} . ويحتمل لا تعجل في تأديته إلى غيرك ، قال مجاهد{[27024]} وقتادة : لا تقرأ به أصحابك ولا تُمْله عليهم حتى يتبين لك معانيه{[27025]} . ويحتمل في اعتقاد ظاهره{[27026]} ويحتمل في تعريفه{[27027]} الغير ما يقتضيه ظاهره أي : حتى يتبين لك بالوحي تمامه أبو بيانه أو هما{[27028]} جميعاً ، لأنه يجب التوقف في معنى الكلام إلى أن يفرغ لجواز أن يحصل عقبيه استثناء أو شرط ، أو غيرهما من المخصصات{[27029]} .

فإن قيل : الاستعجال لذي نُهِي عنه إن كان فعلُه فكيف نهي عنه ؟

فالجواب لعله فعل باجتهاد ، وكان الأولى تركه فلهذا نهِي عنه{[27030]} .

قوله : { قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } العامة على بناء " يُقْضَى " للمفعول ورفع " وَحْيُه " لقيامه مقام الفاعل{[27031]} .

والجحدري وأبو حيوة والحسن ، وهي قراءة عبد الله " تَقْضِي " بنون العظمة مبنيًّا للفاعل ، " وَحْيَه " مفعول به{[27032]} .

وقرا الأعمش كذلك إلاَّ أنَّه سكن ( لام الفعل{[27033]} ){[27034]} ، استثقل الحركة وإن كانت خفيفة على حرف العلة ، وقد{[27035]} تقدم شواهد عند قراءة { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهالِيكُمْ }{[27036]} .

قوله : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } أي : بالقرآن ومعانيه ، وقيل : " عِلماً " أي{[27037]} ما علمت . وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه قال{[27038]} : اللهم زدْنِي إيماناً ويقيناً .


[27007]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/131.
[27008]:في ب: ذكر.
[27009]:في الأصل: بأنه.
[27010]:في ب: فلذلك. وهو تحريف.
[27011]:تفاعل: سقط من ب.
[27012]:في ب: إن عظمه وعلوه. وهو تحريف.
[27013]:في ب: الأفهام.
[27014]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/121 بتصرف.
[27015]:من الآية: (105).
[27016]:انظر الفخر الرازي 22/121 – 122.
[27017]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27018]:عليه السلام: سقط من ب.
[27019]:انظر البغوي 5/460.
[27020]:في الأصل: القرآن. وهو تحريف.
[27021]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27022]:انظر الفخر الرازي 22/122.
[27023]:انظر الفخر الرازي 22/122.
[27024]:في ب: فصل قال مجاهد.
[27025]:انظر الفخر الرازي 22/122.
[27026]:في ب: ظواهره.
[27027]:في ب: معرفة.
[27028]:في ب: أو بهما. وهو تحريف.
[27029]:انظر الفخر الرازي 22/122.
[27030]:انظر الفخر الرازي 22/122.
[27031]:انظر التبيان 2/905، البحر المحيط 6/282، الإتحاف (308).
[27032]:المختصر (90). وانظر أيضا المراجع السابقة.
[27033]:انظر البحر المحيط 6/282. وفيه: وقال صاحب اللوامح: (وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا).
[27034]:ما بين القوسين في ب: لا التعليل والفعل. وهو تحريف.
[27035]:قد: سقط من ب.
[27036]:[المائدة: 89] وذكر هناك: وقرأ جعفر الصادق "من أوسط ما تطعمون أهاليكم" بسكون الياء، وفيه تخريجان، أحدهما: أن أهالي جمع تكسير لأهل فهو شاذ في القياس كليلة وليال، قال ابن جني: أهال بمنزلة ليال واحدها أهالة وليلاة، والعرب تقول أهل كاملة، قال الشاعر: وأهلة ودّ قد سررت بودهم. وقياس قول أبي زيد أنه يجعله جمع لواحد مقدر نحو أحاديث وأعاريض. وإليه يشير قول ابن جني أهال بمنزلة ليال واحدها أهلاة وليلاة، فهو يحتمل أن يكون بطريق الاتساع ويحتمل أن يكون بطريق القياس كما تقول أرض. وكان قياس قراءة جعفر تحريك الياء بالفتحة لخفتها ولكن تشبه الياء بالألف فقدر فيها الحركة، وهو كثير في النظم. انظر اللباب 3/316 – 317.
[27037]:في ب: إلى. وهو تحريف.
[27038]:في ب: هذه الآية يقول.