السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

{ فتعالى الله } في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته وصفاته ذاتهم وصفاتهم { الملك } الذي لا يعجزه شيء ، فلا ملك في الحقيقة غيره { الحق } أي : الثابت الملك ، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما ، ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة ، ولما شرح الله تعالى كيفية نفع القرآن للمكلفين ، وبيّن أنه سبحانه وتعالى متعالٍ عن كل ما لا ينبغي موصوف بالإحسان والرحمة ، ومن كان كذلك صان رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي ، فلذلك قال تعالى : { ولا تعجل بالقرآن } أي : بقراءته { من قبل أن يقضى إليك وحيه } من الملك النازل به إليك من حضرتنا كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة بل رتلناه لك ترتيلاً ، ونزلناه إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً ، وموصلاً توصيلاً ، فاستمع له ملقياً جميع تأملك إليه ، ولا تساوقه بالقراءة ، فإذا فرغ فاقرأه ، فإنا نجمعه في قلبك ، ولا نكلفك المساوقة بتلاوته { وقل رب } أيها المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ { زدني علماً } أي : سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال ، فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة ؛ روى الترمذي عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً ، والحمد لله على كل حال ، وأعوذ بالله من حال أهل النار » وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم زدني علماً ويقيناً ،