غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

77

ثم عظم شأن القرآن من وجه آخر وهو عظمة شأن منزلة قائلاً { فتعالى الله الملك الحق } ارتفع صفاته عن صفات المخلوقين أنزل القرآن ليحترزوا عما لا ينبغي وأنه منزه عن الانتفاء والتضرر بطاعاتهم ومعاصيهم . ومعنى الحق قد مر في البسملة . قال جار الله : فيه استعظام له ولما يصرّف عليه عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده والإدارة بين ثوابه وعقابه وغير ذلك كما يجري عليه أمر ملكوته . قال أبو مسلم : إن قوله : { ويسئلونك عن الجبال } إلى ههنا كلام تام . وقوله : { ولا تعجل } خطاب مستأنف . وقال آخرون : إنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يفوته شيء فيقرأ مع الملك ، فإنه تعالى حين شرح كيفية نفع القرآن للمكلفين وبين أنه سبحانه متعال عن الانتفاع والتضرر بالطاعات والمعاصي . وأنه موصوف بالملك الدائم والعز بالباقي ، وكل من كان كذلك وجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي وما يتعلق بصلاح العباد في المعاش والمعاد . قال : { ولا تعجل بالقرآن } لأنه حصل لك الأمان من السهو والنسيان { من قبل أن يقضي إليك وحيه } أي من قبل أن تتم قراءة جبريل ونحوه قوله { لا تحرّك به لسانك لتعجل به } [ القيامة : 16 ] قاله مقاتل والسدي وابن عباس في رواية عطاء . وقال مجاهد وقتادة : أراد ولا تعجل بالقرآن فتقرأ على أصحابك من قبل أن يوحى إليك بيان معانية أي لا تبلغ ما كان مجملاً حتى يأتيك البيان . وقال الضحاك : إن أهل مكة وأسقف نجران قالوا : يا محمد ، أخبرنا عن كذا وكذا وقد ضربنا لك أجلاً ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة أن اليهود قد غلبوا فنزلت هذه الآية . أي لا تعجل بنزول القرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه من اللوح المحفوظ إلى إسرافيل ومن جبرائيل ومنه إليك . وعن الحسن : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : زوجي لطم وجهي فقال : بينكما القصاص فنزلت الآية فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصاص . وإنما نشأت هذه الأقوال لأن قوله : { ولا تعجل بالقرآن } يحتمل التعجيل بقراءته في نفسه ، أو في تأديته إلى غيره ، أو في اعتقاده ظاهره ، أو في تعريف الغير ما يقتضيه الظاهر . وقوله : { من قبل أن يقضى إليك وحيه } احتمل أن يراد من قبل أن يقضى إليك تمامه ، أو من قبل أن يقضى إليك بيانه فقد يجوز أن يحصل عقيبه استثناء أو شرط أو غيرهما من المخصصات والمبينات ويؤكد هذه المعاني قوله : { وقل رب زدني علماً } لأن معرفة البيان علم زائد على معرفة الإجمال . والظاهر أن هذا الاستعجال كان أمراً اجتهادياً وكان الأولى تركه فلذلك نهى عنه . قال جار الله : هذا الأمر متضمن للتواضع لله والشكر له عندما علم من ترتيب التعلم أي علمتني يا رب لطيفة في باب التعلم وأدباً جميلاً ما كان عندي فزدني علماً إلى علم . ومن فضائل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم .

وفيه إشارة إلى أن أسرار القرآن غير متناهية ، اللَّهم إن هذا العبد الضعيف معترف بقصوره ونقصانه فأسألك مما سألك به نبيك أن ترزقني بتبعيته علماً ينفعني في الدارين .

/خ114