ثم عظم شأن القرآن من وجه آخر وهو عظمة شأن منزلة قائلاً { فتعالى الله الملك الحق } ارتفع صفاته عن صفات المخلوقين أنزل القرآن ليحترزوا عما لا ينبغي وأنه منزه عن الانتفاء والتضرر بطاعاتهم ومعاصيهم . ومعنى الحق قد مر في البسملة . قال جار الله : فيه استعظام له ولما يصرّف عليه عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده والإدارة بين ثوابه وعقابه وغير ذلك كما يجري عليه أمر ملكوته . قال أبو مسلم : إن قوله : { ويسئلونك عن الجبال } إلى ههنا كلام تام . وقوله : { ولا تعجل } خطاب مستأنف . وقال آخرون : إنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يفوته شيء فيقرأ مع الملك ، فإنه تعالى حين شرح كيفية نفع القرآن للمكلفين وبين أنه سبحانه متعال عن الانتفاع والتضرر بالطاعات والمعاصي . وأنه موصوف بالملك الدائم والعز بالباقي ، وكل من كان كذلك وجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي وما يتعلق بصلاح العباد في المعاش والمعاد . قال : { ولا تعجل بالقرآن } لأنه حصل لك الأمان من السهو والنسيان { من قبل أن يقضي إليك وحيه } أي من قبل أن تتم قراءة جبريل ونحوه قوله { لا تحرّك به لسانك لتعجل به } [ القيامة : 16 ] قاله مقاتل والسدي وابن عباس في رواية عطاء . وقال مجاهد وقتادة : أراد ولا تعجل بالقرآن فتقرأ على أصحابك من قبل أن يوحى إليك بيان معانية أي لا تبلغ ما كان مجملاً حتى يأتيك البيان . وقال الضحاك : إن أهل مكة وأسقف نجران قالوا : يا محمد ، أخبرنا عن كذا وكذا وقد ضربنا لك أجلاً ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة أن اليهود قد غلبوا فنزلت هذه الآية . أي لا تعجل بنزول القرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه من اللوح المحفوظ إلى إسرافيل ومن جبرائيل ومنه إليك . وعن الحسن : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : زوجي لطم وجهي فقال : بينكما القصاص فنزلت الآية فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصاص . وإنما نشأت هذه الأقوال لأن قوله : { ولا تعجل بالقرآن } يحتمل التعجيل بقراءته في نفسه ، أو في تأديته إلى غيره ، أو في اعتقاده ظاهره ، أو في تعريف الغير ما يقتضيه الظاهر . وقوله : { من قبل أن يقضى إليك وحيه } احتمل أن يراد من قبل أن يقضى إليك تمامه ، أو من قبل أن يقضى إليك بيانه فقد يجوز أن يحصل عقيبه استثناء أو شرط أو غيرهما من المخصصات والمبينات ويؤكد هذه المعاني قوله : { وقل رب زدني علماً } لأن معرفة البيان علم زائد على معرفة الإجمال . والظاهر أن هذا الاستعجال كان أمراً اجتهادياً وكان الأولى تركه فلذلك نهى عنه . قال جار الله : هذا الأمر متضمن للتواضع لله والشكر له عندما علم من ترتيب التعلم أي علمتني يا رب لطيفة في باب التعلم وأدباً جميلاً ما كان عندي فزدني علماً إلى علم . ومن فضائل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم .
وفيه إشارة إلى أن أسرار القرآن غير متناهية ، اللَّهم إن هذا العبد الضعيف معترف بقصوره ونقصانه فأسألك مما سألك به نبيك أن ترزقني بتبعيته علماً ينفعني في الدارين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.