إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

{ فتعالى الله } استعظامٌ له تعالى ولشؤونه التي يُصرّف عليها عبادَه من الأوامر والنواهي والوعدِ والوعيد وغيرِ ذلك ، أي ارتفع بذاته وتنزّه عن مماثلة المخلوقين في ذاته وصفاتِه وأفعالِه وأحواله { الملك } النافذُ أمرُه الحقيقيُّ بأن يُرجى وعدُه ويُخشَى وعيدُه { الحق } في ملكوته وألوهيتِه لذاته ، أو الثابتُ في ذاته وصفاته { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ } أي يتِمَّ { وَحْيُهُ } كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا ألْقَى إليه عليه السلام الوحيَ يتبعه عند لفظِ كل حرفٍ وكل كلمةٍ لكمال اعتنائِه بالتلقّي والحِفظ فنُهيَ عن ذلك إثرَ ذكرِ الإنزال بطريق الاستطرادِ لِما أن استقرارَ الألفاظِ في الأذهان تابعٌ لاستقرار معانيها فيها ، وربما يَشغَل التلفظُ بكلمة عن سماع ما بعدها ، وأُمر باستفاضة العلمِ واستزادتِه منه تعالى فقيل :

{ وَقُلْ } أي في نفسك { رَّبّ زِدْنِي عِلْماً } أي سل الله عز وجل زيادةَ العلمِ فإنه الموصلُ إلى طِلْبتك دون الاستعجالِ ، وقيل : إنه نهُي عن تبليغ ما كان مجملاً قبل أن يأتيَ بيانُه وليس بذاك ، فإن تبليغَ المُجملِ وتلاوتَه قبل البيان مما لا ريب في صحته ومشروعيّتِه .