فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

{ فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ( 114 ) ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ( 115 ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ( 116 ) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ( 117 ) إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ( 118 ) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( 119 ) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ( 120 ) } .

{ فتعالى الله الملك الحق } لما بين سبحانه للعباد عظيم نعمته عليهم بإنزال القرآن نزه نفسه عن مماثلة مخلوقاته في شيء من الأشياء ، أي جل الله عن إلحاد الملحدين وعما يقول المشركون والمعطلون في صفاته ، فإنه الملك الذي بيده الثواب والعقاب ، نافذ أمره ونهيه وأنه الحق ، أي ذو الحق في ملكوته وألوهيته أو الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده ، أو الثابت في ذاته وصفاته . وقيل إنما وصف نفسه بالملك الحق لأن ملكه لا يزول ولا يتغير وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به منه .

{ ولا تعجل بالقرآن } أي بقراءته { من قبل أن يقضى } أي يتم { إليك وحيه } أي يفرغ جبريل من إبلاغه . قال المفسرون : كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي حرصا منه على ما ينزل عليه منه ، فنهاه الله عن ذلك ، ومثله قوله { لا تحرك به لسانك لتعجل به } على ما يأتي إن شاء الله تعالى .

وقيل المعنى ولا تلقه إلى الناس قيل أن يأتيك بيان تأويله ، وقرئ نقضي بالنون . قال ابن عباس : لا تعجل حتى نبينه لك . وقال قتادة : لا تتله على أحد حتى نتمه لك .

وعن الحسن قال : لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تطلب قصاصا فجعل للنبي صلى الله عليه وسلم القصاص ، فأنزل الله : { ولا تعجل بالقرآن } ، الآية فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت : { الرجال قوامون على النساء } ، الآية . أخرجه القربان وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه .

{ وقل رب زدني علما } أي سل في نفسك ربك زيادة العلم بكتابه ومعانيه فإنه الموصل إلى مطلوبك دون الاستعجال فكلما أنزل عليه شيء منه زاد به علمه وما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم ، وفيه التواضع والشكر لله ، والتنبيه على عظم موقع العلم وفضله ، وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم زدني علما وإيمانا ويقينا ذكره الخطيب وأقول . رب زدني علما نافعا وعملا صالحا وإيمانا كاملا ويقينا تاما وعاقبة محمودة .