نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} (114)

ولما بلغت هذه الجمل نهاية الإعجاز ، فاشتملت على غاية الحكمة ، دالة على أن لقائلها تمام العلم والقدرة والعدل في أحوال الدراين ، تسبب عن سوقها كذلك أن بان له من العظمة ما أفهمه{[50030]} قوله ، {[50031]}معظماً لنفسه الأقدس بما هو له أهل{[50032]} بعد تعظيم كتابه تعليماً لعباده ما يجب له من الحق{[50033]} دالاً بصيغة التفاعل على مزيد العلو : { فتعالى الله } أي بلغ{[50034]} الذي لا يبلغ الواصفون وصفه {[50035]}حق وصفه من العلو{[50036]} أمراً لاتحتمله العقول ، فلا يلحقه شيء من إلحاد الملحدين ووصف المشركين { الملك } الذي لا يعجزه شيء ، فلا ملك في الحقيقة غيره { الحق } أي الثابت الملك ، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما ؛ و-{[50037]} ] لعظمة ملكه وحقية{[50038]} ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة{[50039]} .

ولما كانت هذه الآيات في ذم من أعرض عن هذا الذكر ، كان تقدير : فلا تعرض عنه ، بل أقبل عليه{[50040]} لتكون من المتقين الذاكرين ، ولما كان هذا الحث{[50041]} العظيم{[50042]} ربما اقتضى{[50043]} للمسابق في التقوى المبالغة في المبادرة إليه فيستعجل بتلقفه قبل الفراغ من إيحائه ، قال عاطفاً على هذا المقدر{[50044]} : { ولا تعجل بالقرآن } أي بتلاوته .

ولما كان النهي عاماً لجميع الأوقات القبلية ، دل عليه بالجار لئلا يظن أنه خاص بما يستغرق زمان القبل جملة واحدة{[50045]} فقال : { من قبل أن } {[50046]}ولما كان النظر هنا إلى فراغ الإيحاء لا إلى موح معين ، بنى للمجهول قوله{[50047]} : { يقضى } أي ينهى { إليك وحيه } من الملك النازل إليك من حضرتنا به كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة ، بل رتلناه لك ترتيلاً ، ونزلناه{[50048]} إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً ، وموصلاً توصيلاً - كما أشرنا إليه أول السورة{[50049]} ، فاستمع له ملقياً جميع تأملك إليه{[50050]} ولا تساوقه بالقراءة{[50051]} ، فإذا فرغ{[50052]} فاقرأه فإنا نجمعه في قلبك ولا نسقيك بإنسائه وأنت مصغ إليه ، ولا بتكليفك للمساوقة{[50053]} بتلاوته { وقل رب } {[50054]}أي المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ{[50055]} { زدني علماً* } أي بتفهيم ما أنزلت إليّ منه{[50056]} وإنزال غيره كما زدتني بإنزاله وتحفيظه ، لتتمكن{[50057]} من معرفة الأسباب المفيدة لتبع الخلق لك ، فإنه كما تقدم على قدر إحاطة العلم يكون شمول القدرة ، وفي هذا{[50058]} دليل على أن التأني في العلم بالتدبر وبإلقاء{[50059]} السمع أنفع من الاستعجال المتعب للبال المكدر للحال ، وأعون على الحفظ ، فمن وعى شيئاً حق الوعي حفظه غاية الحفظ{[50060]} ؛ وروى الترمذي{[50061]} وابن ماجة{[50062]} والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً والحمد لله على كل حال ، وأعوذ بالله من حال أهل النار " أفاده ابن كثير في تفسيره .


[50030]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[50031]:العبارة من هنا إلى "مزيد العلو" ساقطة من ظ.
[50032]:زيد من مد.
[50033]:زيد من مد.
[50034]:زيد من مد.
[50035]:العبارة من هنا إلى "وصف المشركين" ساقطة من ظ.
[50036]:من مد وفي الأصل: الظواهر.
[50037]:زيد من مد.
[50038]:من مد وفي الأصل: حقيقة.
[50039]:العبارة من "لعظمة " إلى هنا ساقطة من ظ.
[50040]:زيد من مد.
[50041]:من ظ ومد وفي الأصل: الحديث.
[50042]:زيد من ظ ومد.
[50043]:من ظ ومد وفي الأصل: افضى.
[50044]:من ظ ومد، وفي الأصل: المقدار.
[50045]:زيد من مد.
[50046]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50047]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50048]:من ظ ومد، وفي الأصل: نزلنا.
[50049]:بهامش ظ: حيث قلنا "تنزيلا من خلق الأرض".
[50050]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50051]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50052]:بين سطري ظ: أي الملك.
[50053]:بهامش ظ: أي تساوي الملك في التلفظ بحيث تكونان حال اللفظ سواء.
[50054]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50055]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50056]:بين سطري ظ: الذكر .
[50057]:من ظ ومد وفي الأصل: ليتمكن.
[50058]:بين سطري ظ: أي قوله "فلا تجعل".
[50059]:من مد وفي الأصل وظ: القاء.
[50060]:زيد من ظ ومد.
[50061]:في الدعوات وبهامش ظ: قوله "وروى الترمذي" موقعه دليل على الدعوى التي ادعاها الشيخ من كون التأني في العلم بالتدبر إلى آخره، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه في أن ينفعه بما علمه فأرشده إلى قوله "فلا تجعل" والواو في "وروى" للعطف أعني عطف الدليل على الدعوى.
[50062]:في المقدمة