البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (86)

وقرأ الجمهور : بياء الغيبة وشد الدال ، وعنه بتاء الخطاب وشد الدال ، والمعنى : ولا يملك آلهتهم التي يدعون الشفاعة عند الله .

قال قتادة : استثنى ممن عبد من دون الله عيسى وعزيراً والملائكة ، فإنهم يملكون شفاعة بأن يملكها الله إياهم ، إذ هم ممن شهد بالحق ، وهم يعلمونه في أحوالهم ، فالاستثناء على هذا متصل .

وقال مجاهد وغيره : من المشفوع فيهم ؟ كأنه قال : لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق ، وهو يعلمه ، أي بالتوحيد ، قالوا : فالاستثناء على هذا منفصل ، كأنه قال : لكن من شهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء .

وهذا التقدير الذي قدروه يجوز أن يكون فيه الاستثناء متصلاً ، لأنه يكون المستثنى منه محذوفاً ، كأنه قال : ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة في أحد ، إلا فيمن شهد بالحق ، فهو استثناء من المفعول المحذوف ، كما قال الشاعر :

نجا سالم والنفس منه بشدقه *** ولم ينج إلا جفن سيف ومئزار

أي : ولم ينج إلا جفن سيف ، فهو استثناء من المشفوع فيهم الجائز فيه الحذف ، وهو متصل .

فإن جعلته مستثنى من { الذين يدعون } ، فيكون منفصلاً ، والمعنى : ولا يملك آلهتهم ، ويعني بهم الأصنام والأوثان ، الشفاعة .

كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله .

ولكن { من شهد بالحق } ، وهو توحيد الله ، وهو يعلم ما شهد به ، هو الذي يملك الشفاعة ، وإن أدرجت الملائكة في { الذين يدعون } ، كان استثناء متصلاً .