مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (86)

ولما أطنب الله تعالى في نفي الولد أردفه ببيان نفي الشركاء فقال : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ذكر المفسرون في هذه الآية قولين ( أحدهما ) أن الذين يدعون من دونه الملائكة وعيسى وعزيز ، والمعنى أن الملائكة وعيسى وعزيزا لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق ، روي أن النضر بن الحرث ونفرا معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد ، فأنزل الله هذه الآية يقول لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد ثم استثنى فقال : { إلا من شهد بالحق } والمعنى على هذا القول هؤلاء لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق ، فأضمر اللام أو يقال التقدير إلا شفاعة من شهد بالحق فحذف المضاف ، وهذا على لغة من يعدي الشفاعة بغير لام ، فيقول شفعت فلانا بمعنى شفعت له كما تقول كلمته وكلمت له ونصحته ونصحت له ( والقول الثاني ) : أن الذين يدعون من دونه كل معبود من دون الله ، وقوله { إلا من شهد بالحق } الملائكة وعيسى وعزير ، والمعنى أن الأشياء التي عبدها الكفار لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق ، وهم الملائكة وعيسى وعزير فإن لهم شفاعة عند الله ومنزلة ، ومعنى من شهد بالحق من شهد أنه لا إله إلا الله .

ثم قال تعالى : { وهم يعلمون } وهذا القيد يدل على أن الشهادة باللسان فقط لا تفيد البتة ، واحتج القائلون بأن إيمان المقلد لا ينفع البتة ، فقالوا بين الله تعالى أن الشهادة لا تنفع إلا إذا حصل معها العلم والعلم عبارة عن اليقين الذي لو شكك صاحبه فيه لم يتشكك ، وهذا لم يحصل إلا عند الدليل ، فثبت أن إيمان المقلد لا ينفع البتة .