اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا يَمۡلِكُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (86)

قوله : { وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ } قرأ العامة يدعون بياء الغيبة ، والضمير للموصول .

والسُّلَمِيٌّ وابنُ وَثَّاب بتاء الخطاب{[50142]} . والأَسْودُ بنُ يَزِيدَ{[50143]} بتشديد الدال ، ونقل عنه القراءة مع ذلك بالياء والتاء{[50144]} .

وقوله : { إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق } فيه قولان :

أحدهما : أنه متصل ، والمعنى إلا من شَهِدَ بالحَقِّ ، كعُزَيْزٍ ، والملائكة فإنهم يملكون الشفاعة بتمليك الله إياهم لها{[50145]} وقيل : هو منقطع بمعنى أن هؤلاء لا يشفعون إلا فيمن شهد بالحق أي لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء كذا قدروه{[50146]} . وهذا التقدير يجوز فيه أن يكون الاستثناءُ متصلاً على حذف المفعول تقديره : ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ فِي أَحَدٍ إلاَّ فِيمَنْ شَهِدَ{[50147]} .

فصل

ذكر المفسرون قولين في الآية :

أحدهما : أن الذي يدعون من دون الملائكة وعيسى ، وعزير ، لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق .

الثاني : رُوِيَ أن النضْرَ بْنَ الحَارِثِ ونفراً معه قالوا : إن كان ما يقوله محمدٌ حقاً فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من مُحَمَّدٍ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والمعنى لا يقدر هؤلاء أنْ يَشفعوا لأحد .

ثم استثنى فقال : إلاَّ من شهد بالحق أي الملائكة وعِيسَى وعُزير ، فإنهم يشفعون . فعلى الأول : تكون «من » في محل جر ، وعلى الثاني تكون «من » في محل رفع . والمراد بشهادة الحق قول : لا إله إلا الله كلمة التوحيد «وهم يَعْلَمُونَ » بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم{[50148]} .


[50142]:شاذة غير متواترة ابن خالويه 136.
[50143]:ابن قيس ين يزيد أبو عمرو النخعي الكوفي الإمام الجليل. قرأ على عبد الله بن مسعود، وروى عن الخلفاء الأربعة وقرأ عليه النخعي مات سنة 75 هـ. انظر غاية النهاية 1/171.
[50144]:البحر 8/29 وابن خالويه 136.
[50145]:ذكره الزمخشري في الكشاف 3/498 ونقله عنه أبو حيان في البحر 8/29.
[50146]:هذا التقدير نقله أبو حيان عن مجاهد وغيره انظر البحر المحيط المرجع السابق، والكشاف 3/498 والقرطبي 16/122.
[50147]:قاله أيضا أبو حيان في بحره المرجع السابق، وانظر في هذا كله الدر المصون للسمين 4/806.
[50148]:وانظر تفسير الرازي 22/232 و233 والقرطبي 16/122.