معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (67)

وقوله : { أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قَالَ . . . }

وهذا في القرآن كثيرٌ بغير الفاء ، وذلك لأنه جوابٌ يَستغنى أوّلُه عن آخره بالوَقْفَة عليه ، فيقال : ماذا قال لك ؟ فيقول القائل : قال كذا وكذا ؛ فكأنّ حُسنَ الّسكوتِ يجوزُ به طرحُ الفاء . وأنت تراه في رؤوس الآيات - لأنها فصولٌ- حَسَنا ؛ من ذلك : { قال فَما خَطْبُكُمْ أَيُّها الْمُرْسَلونَ . قَالُوا إنا أرْسِلْنا } والفاء حسنة مِثل قوله : { فَقَالَ الْملأَ الّذِين كَفَروا } ولو كان على كلمة واحدة لم تُسقط العرب منه الفاء . من ذلك : قُمْتُ ففَعَلْت ، لا يقولون : قمت فعلت ، ولا قلت قال ، حتى يقولوا : قُلْتُ فقال ، وقُمْتُ فقام ؛ لأنها نَسَقٌ وليست باستفهام يوقف عليه ؛ ألا ترى أنه : " قال " فرعون " لِمَنْ حَوْلَه أَلاَ تَسْتَمِعُونَ . قال رَب‍ُّكم ورَبُّ آبائكم الأوّلين " فيما لا أحصيه . ومثله من غير الفعل كثيرٌ في كتاب الله بالواو وبغير الواو ؛ فأما الذي بالواو فقوله : { قُلْ أؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ } ثم قال بعد ذلك : { الصّابِرينَ والصّادقينَ والْقَانِتينَ والْمُنفِقينَ والْمُسْتَغْفِرِينَ بالأَسْحار } . وقال في موضع آخر : { التّائبُونَ الْعَابِدُونَ الْحامِدُونَ } وقال في غير هذا : { إِنَّ الَّذِيِنَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنينَ والْمُؤْمِناتِ } ثم قال في الآية بعدها : { إِنّ الّذينَ آمَنُوا } ولم يقل : وإنّ . فاعْرِفْ بما جَرى تَفْسيرَ ما بقى ، فإنّه لا يأتي إلا على الذي أنْبَأتُك به من الفصول أو الكلام المكتفي يأتي له جوابٌ . وأنشدني بعضُ العرب :

لما رأيتُ نَبَطاً أنْصَارَا *** شَمَّرتُ عن رُكْبَتِي الإزَارَا

*** كُنْتُ لها مِنَ النَّصارى جَارَا ***