معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

وقوله : { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك . . . }

والعَوانُ ليست بنَعْتٍ للبِكْرِ ؛ لأنها ليست بهَرِمَة ولا شابَّة ؛ انقطع الكلام عند قوله : { وَلاَ بِكْرٌ } ثم استأنف فقال : { عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } والعَوان يقال منه قد عوَّنَت . والفارِضُ : قد فَرَضَت ، وبعضهم : قد فَرُضَت ( وأما البكر فلم ) نسمع فيها بفِعْل . والبِكر يُكْسر أوّلها إذا كانت بِكرْا من النِّساء . والبَكْر مفتوح أوّلَه من بِكَارَة الإبل . ثم قال " بَيْنَ ذَلِكَ " و " بَيْن " لا تصلح إلاّ مع اسمين فما زاد ، وإنما صلحت مع " ذلك " وحْدَه ؛ لأنّه في مذهب اثْنيْن ، والفعلان قد يُجمعان ب " ذلك " و " ذاك " ؛ ألا ترى أنّك تقول : أظنُّ زيدا أخاك ، وكان زيدٌ أخاك ، فلا بدّ لكان من شيْئَين ، ولا بدّ لأظن من شيئين ، ثم يجوز أن تقول : قد كان ذاك ، وأظنُّ ذلك . وإنما المعنى في الاسمين اللذين ضَمَّهما ذلك : بين الهَرم والشَّباب . ولو قال في الكلام : بَيْنَ هاتَيْن ، أو بين تَيْنِك ، يريد الفارِضَ والبِكْرَ كان صوابا ، ولو أعيد ذكرهما ( لم يظهر إلا بتثنية ) ؛ لأنهما اسمان ليسا بفِعْلين ، وأنت تقول في الأفعال فتوحِّد فعلَهما بعدها . فتقول : إِقْبالُك وإِدْبارُك يَشُقُّ عليّ ، ولا تقول : أخوك وأبوك يزورُنِي . ومما يجوز أن يقع عليه " بَيْن " وهو واحدٌ في اللّفظ مما يؤدّى عن الاثنين فما زاد قوله : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } ولا يجوز : لا نفرق بين رجل منهم ؛ لأنّ أحدا لا يُثَنّى كما يثنى الرجل ويُجَمع ، فإن شئت جعلت أحدا في تأويل اثنين ، وإن شئت في تأويل أكثر ؛ من ذلك قول الله عزّ وجلّ : { فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ } وتقول : بَيْنَ أيِّهِم الْمالُ ؟ وبَيْنَ مَنْ قُسِم المالُ ؟

فتجرى " مَن " و " أي " مجرى أحد ، لأنّهما قد يكونان لواحد ولجمع .